أشكال ألوان| سمير الذي يقتله إخوة الغوغاء

أشكال ألوان| سمير الذي يقتله إخوة الغوغاء

أن تولد لأبٍ فلسطينيٍّ، وأمٍّ سوريّة، وأن تحمل الجنسيّة اللبنانيّة، فتلك سمات كفيلة لوحدها بأن تكون على تماسٍّ مباشرٍ مع أعتى أشكال الأوليغارشيّات القمعيّة التي عبثت بمصير هذه الدّول، فصادرت الحياة السياسيّة في سوريا ولبنان، وسرقت من الفلسطينيّين كثيراً من تفاصيل قضيّتهم، وتاجرت بها لمآرب لا تعني الفلسطينيّين وقضيّتهم. لذلك فقد كان «سمير قصير» مُجبراً على الوقوف، ثائراً وسياسيّاً وكاتباً وأستاذاً جامعيّاً، حجر عثرةٍ، وصوتاً جريئاً، في وجه نظام الطّغاة الذي صادر لبنان كاملاً، إلّا أنّه لم يستطع كمّ الأفواه الصّادقة، حتّى بقتلها. هو نظام الطُّغاة الذي أوهم الجميع بخروجه من لبنان، رغم أنّ هذا الخروج كان إسميّاً، فما زالت دكاكينه السياسيّة ومليشياته و أرِبَّاؤه يتصدرون المشهد اللّبناني ويعطلون حياة البلاد السياسيّة، لينتقل لبنان من حالة المصادرة السياسيّة، إلى حالة التّعطيل.


إنّ «سمير قصير» هو من أوائل شهداء الثورة السّورية، حتّى وإن جاء اغتياله قبل انطلاقتها، ذلك أنّها فقدت برحيله قلماً لم يكن ليتوانى عن فضح ممارسات الحاكميّة الأسديّة وأذرعها اللبنانيّة بحقّ السّوريّين، كما فضح متاجرتها بلبنان. وهو أكثر العارفين بتاريخها الأسود الممتدّ من الحرب الأهليّة اللبنانيّة مروراً بمجازر المخيّمات الفلسطينيّة، وصولاً إلى اغتيال رفيق الحريري. مفارقة أُخرى ربما، باتت أظهرَ للعيان اليوم، إذ تبيّنَ أنّ هذه المليشيات العسكريّة والسياسيّة ليست حليفةً لنظام الملالي في إيران، بل هي من أذرعه وبيادقه الرّخيصة، التي يحركها بوجه إرادة الحرّيّة والتّحرّر من العبوديّة التي ناضل «قصير»، ونناضل كسوريّين اليوم من أجلها.


لسمير قصير أن يعرف أنّ آلة القتل التي صُوّبت نحوه، تُصوّب اليوم نحو شعبٍ كامل حلم بالحريّة، وأنّ قَتَلته يعبثون اليوم في حلب والقصير ودمشق، وأنّ العبوّة النّاسفة التي زُرعت في سيّارته تحوّلت إلى براميل وشعاراتٍ طائفيّة، وأنّنا نواجه اليوم، كما واجه اللبنانيّون، العسكر أنفسهم، والوجوه الاستبداديّة نفسها، وإن بعنفٍ أكبر بكثير، وأنّ السّوريّين مطاردون في لبنان من قبل قتلته، كما هم مطارون في سوريا، وأنّ نظام الأسد لم يخرج من لبنان طالما يُقيم «حزب الله» دولته فوقها.


«عسكر على مين»


هم ليسوا عسكراً على الآمنين فقط، لا سيّما أنّ آمناً واحداً لم يبقَ في بلادنا، هم عسكرٌ على الحالمين، على أصحاب القلم والعقل، عسكرٌ على أنقاض البيوت التي هدموها، على أحلام الشباب الذين هجّروهم، وعلى الأطفال الذين حرموهم التّعلّم والطفولة، وألعابهم الصغيرة. نفس المُجرمين الذين غيّبوا قلمك وفكرك باغتيالك، وأطلقوا شركاهم المتطرّفين في لبنان، يُغيّبون اليوم «عبد العزيز الخيّر» و«فائق المير»، و«علي الشّهابي»، ويطلقون «داعش» في سوريا.


ربّما كان من سوء طالعنا كشبابٍ سوري، أن نتعرّف إلى سمير قصير، وإجرام الطُّغم الأسديّة في لبنان في وقتٍ متأخّر، ولكنّها جريمةٌ أُخرى تضاف إلى الأسديّين، جريمة تجهيلنا وتغييبنا، ومنعنا من المشاهدة والقراءة والاطّلاع، وسوقنا وراء تُرّهات إعلامهم، وإعلاميّيهم، وهي بالقدر نفسه مكرمةٌ من مكارم الثّورة السّوريّة التي أتاحت للشباب السّوري البحث والكتابة والاحتكاك بالفكر والمُفكّرين، وأبرزت منّا كُتّاباً انتصروا لسمير قصير بأن حازوا جائزةً لحُرّيّة الصحافة، سُمّيت باسمه، بحديثهم عن قتلته، وبذلك نكون قد برهنّا حقيقةً (لا تحتاجُ برهانًا) دأبَ «قصير» على التّنبيه إليها في محاضراته ومقالاتِه ومن منبر «ساحة الشّهداء» أنّنا كسوريّين، بعُمّالنا ومثقّفينا، لا ننتمي لهذا النّظام، ولا يربطنا به سوى حبل المشنقة الذي ربطه حول أعناقنا ما يربو على عقودٍ أربعة.


معركتنا مع الاستبداد لن تنتهي وتتوقّف بتغييب الأقلام الحرّة والمفكرّين الألمعيّين، من أمثال «قصير»، هي معركةٌ مستمرّة حتّى آخر حرفٍ يُسطر نَشْداً للحريّة وكرامة الانسان، ولأنّها «ثورة فكرٍ» أيضًا، لن يعدل هذا النّظامُ الباروديُّ عن ممارسة الاغتيال السياسيّ بحقِّ كلِّ «سمير قصير» في سوريا ولبنان، لأنّه عدوّ الكلمة، وعدوّ الحرّيّة، وأخو الغوغاء. من قتل ويقتل سمير اللبناني والسّوري والفلسطينيّ، هم أخوة الغوغاء، بينما نحنُ كسوريّين أحراراً، نملكُ أن نشيّع شهيدنا سمير قصير كلّ يوم.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +