أشكال ألوان| أوان الورد في دمشق

أشكال ألوان| أوان الورد في دمشق

لماذا نكتب عن سمير بعد كل هذه السنوات من اغتياله؟ هل لأننا نحمل هذا الشعور الخَجِلَ من أصابع اتهام ودراية ما فتأت تتوجه للنظام السوري باغتياله، وهو الذي لم يتورع يوماً عن قتل كل من يقف في وجه آلته القمعية؟


أم تراه الرثاء لذلك الذي ولدَ من أم سورية، وأحبّ دمشق كما لو كان قد قضى عمره يتنسّم هوائها ويجوب حواريها؟


لا لهذا ولا لذاك نكتب عن سمير.


فبعد مضي 11 عاماً على اغتياله هناك حقيقة واحدة يستحق لأجلها سمير كل هذا الرثاء، حقيقة أنه كان من أكثر الأقلام شراسة في الدفاع عن حقوق السوريين ضد نظام سلبهم حتى حقهم في الحياة، ولأنه كان من أوائل الأشخاص الذين فضحوا زيف وعوده بإصلاحات ديمقراطية، ولأنه كان ذلك المنبر الحر الذي رفض أن تسّيره أيديولوجية ما أو مصلحة خاصة، فنطق باسم المقهورين في سوريا ولبنان، وسكن ساحات الاعتصام وتوجه للضحية لا بوصفها كذلك، بل بنزع هذا الرداء عنها. ولأنه قبل ذلك كله كان المتنبئ التاريخي بربيعنا القادم حين قال: «ربيع العرب حين يزهر في بيروت، إنما يعلن أوان الورد في دمشق». ولأجل ذلك، قُتل سمير، ما يجعلنا نقف طويلاً عند هذه الجملة لنخوض في مدلولها عميقاً.


كانت كتابات سمير قصير تعتمد على ثلاث ركائز أساسية: تسليط الضوء على عجز نظام الأسد عن إصلاح سوريا، مركزية لبنان في الخطط الإقليمية لسوريا، ومدى أهمية الرواية الأمنية لكلا الدولتين.


هو لم يستسلم لوهم إصلاحات الأسد في سوريا، وقد بدا ذلك ظاهراً في مقالاته، وخاصةً الأخيرة «الخطأ بعد الخطأ»، وأورِد من مقاله هذا المنشور بتاريخ 27/5/2005، أي قبل أقل من أسبوع على اغتياله:


صحيحٌ أن الحكم أنعمَ أخيراً على الرعية بخبرٍ سار، على ما جاء قبل أسبوعين ونيف في جريدة «الثورة» التابعة للنظام البعثي. فقد نقلت الزميلة أنه تمّ الغاء الموافقة الأمنية المسبقة بشأن 67 «حالة». الخبر لم يستوقف المراقبين بما فيه الكفاية، وهذا لعمري خطأٌ ما بعده خطأ، إذ أن اللائحة المنشورة في «الثورة» أفضل دليلٍ على التخلف الذي فرضه الطوفان المخابراتي على حياة السوريين العامة وحتى الخاصة.


فمن بين هذه الحالات التي لم تعد تستوجب موافقة أمنية مسبقة، بتّ نقل أثاث منازل السوريين والعرب والأجانب المقيمين في القطر إلى خارجه، وقبول الطلاب في الجامعات والمعاهد المتوسطة ومدارس التمريض، والتكليف لتدريس ساعات من خارج الملاك، والإيفاد الداخلي والخارجي للطلاب. (…) هذا بالإضافة إلى منح التراخيص لمزاولة بعض المهن أو فتح محلات: جليسات الأطفال، مكاتب السياحة والسفر، المكاتب العقارية، مكاتب بيع وشراء وتأجير سيارات، (...) محلات النوفوتيه، محلات العصرونية، أفران الصفيحة والمعجّنات.


فعلاً، تغيّر الكثير في سوريا العهد «الجديد». فإذا كانت حرية الصفيحة والنوفوتيه، تطلبت خمسة أعوام، فكم سيتطلب إلغاء الموافقة الأمنية المسبقة على صنع السياسة؟


أما فيما يتعلق بمركزية لبنان في الخطط الإقليمية السورية، فكان يؤكد دائماً على شدّة ارتباط الأقوياء والنافذين في كلا البلدين، مما جعل المخالب الأمنية السورية تصل حتى عمق الدولة اللبنانية، ومما سيستدعي بالضرورة أيضاً أن الإصلاح في سوريا سيؤدي إلى إصلاحٍ مباشرٍ في لبنان. ولمنع ذلك كانت سلسلة الاغتيالات التي قام بها النظام السوري عّقب انسحابه من لبنان، والتي كان أحد ضحاياها سمير.


أما ثالثاً وأخيراً، فتلك الرواية الأمنية التي استخدمها النظام السوري في قمع ثورة الشعب بداية العام 2011، حين فشل في إظهار أنه قادرٌ ولو بحيلة كاذبة على الإصلاح والتغيير، وقبل ذلك حين قمع حركة المجتمع المدني ووأدَ ربيع دمشق عام 2001.


هذه الرواية التي لم ولن يتخلى عنها النظام البعثي في سوريا، هي ذاتها أيضاً التي منعت لبنان من الاستقلال بذاته، والتي قامت بالاغتيالات هناك، وهي أيضاً التي تثبت التورط والتغلغل الأمني بين البلدين، مما يعني حتماً أن زوال هذا النظام يفضي إلى زوال جزءٍ كبيرٍ من الدولة في لبنان. هذه الحقيقة التي لأجلها لا زال المئات يُقتلون كل يوم على يد ميليشيات الأسد وحزب الله في سوريا.


نعم، لقد اغتيل سمير لأجل كل ذلك، لكن رياح التغيير بدأت ولن تتوقف، وما الشهداءُ على مر الأيام إلا براعم للغد المقبل. وأقتبسُ من الشهيد الجميل سمير حين قال في إحدى اعتصامات 14 آذار، والتي أدت لخروج النظام السوري من لبنان: «نحن مش معبيين عينه لبشار الأسد؟ لازم يعرف أنه كل واحد فينا بيسوى مية ألف، لأنو كل واحد فينا جايي بحرية!».


لروحك الرحمة، ولنا درب الحرية الطويل.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +