أشكال ألوان| عن الصوت الذي خسرته الثورة السورية

أشكال ألوان| عن الصوت الذي خسرته الثورة السورية

يبدو سمير قصير لمتابعي سيرته وكأنه أحد أبطال روايات أمين معلوف، أب فلسطيني وأم سورية ومنشأ لبناني، يساريٌ لا يتحدث اللغة الخشبية المنفّرة، أكاديمي ومؤرخ يكتب بلغة الناس اليومية.


قدّمَ سمير قصير، خلال مسيرته الصحافية والسياسية، برنامجاً على تلفزيون لبنان الرسمي، وكان يحاور ضيوفه كما لو أن البرنامج والمحطة محسوبان على المعارضة، في زمن كان تطويع الإعلام شغل السلطة اللبنانية الشاغل تحت الوصاية، وهذا ما أدى إلى وقف البرنامج بعد وقت قصير.


صحافي أغوته السياسة فجمع بينها وبين الصحافة، واغتيلَ انتقاماً لمهانة النظام السوري في انسحابه المذل من لبنان، وتحذيراً من مغبة التمادي في قلب المعادلة عليه بعد خروجه.


في فيلم (الرجل ذو النعل الذهبي) للراحل عمر أميرلاي عن رفيق الحريري، يظهر سمير قصير مخاطباً أميرلاي: «إذا محاولتك النفاذ للإنسان عند رفيق الحريري، لم تؤدِ لنقد ذاتي عند رفيق الحريري! فشو الها طعمة!؟»، وبهذا الأسلوب نفسه، كانت تُكتب مقالاته في جريدة النهار، تسمي الأمور بمسمياتها، دون مواربة أو تعابير حمّالة أوجه.


بمجيء إميل لحود وطاقمه الأمني إلى الحكم، مع محاولته الحثيثة للتماهي مع النظام السوري، ليس فقط في الاستراتجية العامة، بل أيضاً في السلوك الأمني وتدجين المجتمع، كان سمير قصير بمواجهة مباشرة مع العهد الجديد، لا سيما بعد رحيل الرئيس السوري حافظ الأسد وتوريث الحكم لنجله بشار، وما تلاه من تأسيس حراك «ربيع دمشق»، فكان سمير عراب تلاقٍ سوريٍ لبناني على صفحات جريدة النهار، وغدت عبارات مثل التي قالها لصديقه فاروق مردم بك «شعبك عظيم يا أخي»، أو حديثه عن الترابط بين (ديموقراطية سوريا واستقلال لبنان وتحرر فلسطين)، بمثابة مادة نظرية، تمسح ذاكرة سيئة من العلاقة الملتبسة بين المعارضة اللبنانية لهيمنة النظام السوري، والمعارضة السورية له داخل البيت السوري.


كان سمير قصير في كل هذا، هو المعارض الذي لا يتمناه النظام السوري ولا ملحقاته اللبنانية، فمن غير الممكن اتهامه بالعنصرية ضد الشعب السوري، أو بالطائفية، أو بالعلاقة مع اسرائيل، لذا تعرض لتشبيح الأجهزة الأمنية، بعيداً عن أي إطار قانوني ولو شكلي للضغط، بل بسيارات تلاحقه أينما ذهب، ومكالمات هاتفية تشتمه وتهدده.


وكان لافتاً تضامنُ من طالبه سمير بالنقد الذاتي، معه، أي رفيق الحريري، الذي كان رئيس الحكومة حينها، فكانت مفارقةً أن يتضامن رئيس السلطة التنفيذية في البلد، مع صحافيٍ مهددٍ من قبل جهازٍ يُفترض أنه تابعٌ لهذه السلطة. لاحقاً سيقتل رفيق الحريري، ليكون سمير وحركة اليسار الديموقراطي في قلب الحشود التي صنعت مشهدية 14 أذار، وما تلاها.


اغتيال سمير اللاحق، طرح سؤالاً ما زالت إجابته مكتومة: هل الجهة المخططة والمنفذة كانت أكثر وعياً بأهميته وتأثيره من رفاقه أنفسهم!؟ فهو كان أول المستهدفين بعد اغتيال الحريري، والسيارة المفخخة التي أودت بحياته، كانت إشعاراً بأن مسلسل الإغتيالات مستمرٌ ولن يتوقف، وقد نُقل عن الشهيد جبران تويني قوله عند سماعه بنبأ اغتيال سمير قصير، إن سمير افتداه وافتدى جريدة النهار والصحافة اللبنانية، ولكنه للأسف كان مخطئاً، حيث لحق بسمير في العام نفسه، جورج حاوي وجبران تويني، فيما نجا إلياس المرّ ومي شدياق بمعجزة، واستمر القتل في الأعوام التالية، حاصداً شخصيات سياسية وأمنية وعسكرية!


في الذكرى الحادية عشرة لرحيله، تبدو روح سمير حاضرة في الثورة السورية، ويبدو الترابط الذي طرحه بين «بلدانه» الثلاثة شديد الواقعية، وإذا كانت الثورة السورية بحاجةٍ إلى صوته في الدفاع عن شعبها، فهي أيضاً بأمّس الحاجة لحسه النقدي في مساراتها ومآلاتها.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +