أشكال ألوان| هل سيشهد الشرق الأوسط «سايكس-بيكو» جديدة؟

أشكال ألوان| هل سيشهد الشرق الأوسط «سايكس-بيكو» جديدة؟

أحيت شعوب «بلاد الشام» هذا العام (٢٠١٦)، الذكرى المئوية لاتفاقية «سايكس بيكو» في وقت تشتعل فيه المنطقة العربية بثورات وحروب أهلية، وتشهد مجتمعاتها انقسامات حادة، تعززها وتشجع عليها دول إقليمية وكبرى في سياق استثمار التوتر القائم لصالحها.


فالتوتر والتجاذبات التي تثيرها الثورة السورية تحديداً بين روسيا وحلفائها في المنطقة من جهة، والغرب وحلفائه في الشرق الأوسط من جهة أخرى، يذهب بالذاكرة إلى أحد المفاصل الهامة والأكثر تعقيداً ربما، في تاريخ الحرب الباردة القرن الماضي، وهي الحالة الأفغانية وتعقيداتها.


إلا أن التشابه في مستوى التوتر بين المعسكرين في الحالتين السورية والأفغانية، لا يعكس تشابهاً في المعطيات المسببة له. كما تبدو نتائج الخلاف حول قضايا المنطقة بالعموم، و‏سوريا بالخصوص أكثر جذرية وأعمق تأثيراً في الخارطة الجيوسياسية ‏للشرق الأوسط والعالم.


إذ تميل كثيرٌ من التحليلات والتقارير إلى أنه جارٍ إعادة رسم ملامح ‏منطقة الشرق الأوسط وترتيب دولها (قد ‏تختفي بعض الدول وتظهر دول أخرى جديدة، أو قد تظهر دول كانت قد اختفت مثل اليمنين الجنوبي والشمالي).


وكثيراً ما يطرح دبلوماسيون ومحللون السؤال المؤرق حول شكل المنطقة مستقبلاً، ومن السيناريوهات التي تطرح بتواتر، سيناريو تفكيك سوريا إلى دويلات ‏سنية وعلوية ودرزية وكردية، وضم أجزاء من سوريا في الجنوب إلى الأردن، وأخرى في الشمال إلى ‏تركيا، وإلى كردستان العراق.


وترسل سياسة الأمر الواقع التي ينتهجها جزء من الأكراد السوريين اليوم، رسائل قوية على إمكانية تغيير خارطة سوريا، عبر المحاولة الجادة للسيطرة على شمال سوريا الذي يضم أغلبية كردية، سعياً إلى كيان كرديّ تحت اسم «روج آفا» أو «غرب كردستان».


‏ويستثمر الأكراد إن كان في سوريا، أوالعراق، ضعفَ الدولتين العراقية والسورية، وبقية التشكيلات المسلحة السورية في مواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية»، لتقديم أنفسهم كلاعب يمكنه ملئ الفراغ في مواجهة تنظيم «داعش» وفرض نفسه كجهة قادرة على إدارة المناطق التي ينتزعونها من التنظيم، وصولاً إلى استقطاب دعم دولي، وخصوصاً أمريكي، عسكري ومالي، ولاحقاً سياسي، لسلطة الأمر الواقع على هذه المناطق.


وإذا صح هذا السيناريو، فإن الدولة السورية القادمة قد لا تمتلك سيطرةً فعلية على هذا الجزء «روج أفا»، لينشأ بأحسن الأحوال كيان مشابه لما حققه الأكراد في العراق بعد صدام حسين.


ولكن هل سيتوقف التغيير المحتمل على الخارطة هنا؟ أم سيطال التغيير خريطة الشرق الأوسط؟


غالباً ما يذهب المحللون في محاولات الرد على السؤال إلى احتمال اتساع رقعة   الحروب بالوكالة، لتتجاوز سوريا ‏والعراق وليبيا واليمن، وصولاً إلى لبنان الهش، خصوصاً في غياب الدولة المزمن وانخراط حزب الله في الحرب السورية.


وتمضي بعض التحليلات أبعد من ذلك لتزج بالأردن في هذا الاحتمال بسبب حدوده الشاسعة مع سوريا والعراق وخطر «داعش» القائم هناك، والطابع العشائري للشعب الأردني، إضافة إلى صعود ثقافة التطرف الديني ووجود بؤر خصبة لتوليد الجهاديين. ومن نافل القول إن إسرائيل ستلعب دورا أساسيا في هذه الحروب وعملية تغيير الخارطة بحسب ما تقتضيه مصلحتها.‏


في ضوء ما سبق، وبالإضافة إلى دور لعبة الاحتمالات، قد لا ينتهي الربيع العربي كما يشتهي أصحابه، ويبدو السؤال «هل تذهب المنطقة العربية عموماً، وخصوصاً «بلاد الشام» إلى اتفاقية سايكس-بيكو 2؟». بالمعنى المجازي يبدو ذلك ممكناً، أي تبدو فرضية التغيير الواسع على خارطة الشرق الأوسط ممكنة التحقق، بحيث تتجاوز النتائجُ تأثيراتِ اتفاقية «سايكس-بيكو» التي مرت ذكراها المئوية هذا العام.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +