أشكال ألوان| ثلاثية موطني: هشاشة الصورة أمام الواقع

أشكال ألوان| ثلاثية موطني: هشاشة الصورة أمام الواقع

على مدى سنواتٍ خمس كانت شاشة التلفاز النافذة التي تبقينا على اطلاع بمستجدات الثورة السورية، ورغم تكرار نشرات الأخبار، لم تتوقف أعيننا عن ملاحقة أكبر قدر من المعرفة حتى لو غلبها التعب.


ومهما بلغت حساسيتنا تجاه تلك المشاهد، التي اختلطت بالألم والخراب والبؤس الذي ألمَّ بالشعب السوري في الداخل والخارج، لن نتمكن من استشعار هواجس وأحاسيس من واجه الموت والقهر.


ففي ثلاثية «موطني» من مسلسل مدرسة الحب، يحضر التباس بين من يجسد الألم ومن عايشه، حين تبدأ رحلة الموت مع المخرج «صفوان نعمو»، الذي يسرد معاناة السوريين في بحثهم عن حياةٍ جديدةٍ وملاذ آمن.


يقدم «نعمو» نماذجَ بشرية مختلفة بطباعها وطريقة تفكيرها، ومسوغاتها للرّحيل، يجدون أنفسهم في أماكن مجهولة، وتحديات أُرغموا على خوضها، فتجول كاميراته في فنادق وحدائق «أزمير»، لتظهر المكنونات الداخلية للشخصيات والفوارق بينها بعذاباتها التي أوصلتها خارج حدود الوطن، دون الإشارة إلى سبب الخراب الذي حلّ بالبلد، مستبدلاً أسبابه بالحرب والتّدهور الاقتصادي وغلاء المعيشة.


لا يُخفي المخرج بعد ذلك إلصاقه تهمة الرّحيل بشخوصه عبر نداء «منى واصف» التي تدعوهم عدم الرّحيل، وتسليم أمرهم للقدر دون الإشارة مرّة أخرى إلى شكل ونوع هذا القدر.


وفي رحلة «الهروب» من مجهول إلى مجهول، ومن موت إلى موت يقعون في قبضة  المهرّب «نورس/ أندريه سكاف» ذو العين الزّجاجيّة، الذي يسلبهم مالهم ويتعامل معهم كسلعٍ ينقلها من مكان لآخر، نافياً عنهم طبيعتهم البشرية، مقدّماً لهم الوعود الكاذبة بأمانِ وسائلهِ. الأمر الذي جعل مشاعر الخوف والارتباك تسيطر عليهم حين توقف البلم بهم في عرض البحر، الذي كاد يبلعهم كما ابتلع الكثيرين.


بين مدّ القدر وجزر الأمل يستعين المخرج بوقائع صادفت كثيراً من السوريين، ليتجاوزوها صانعين أقدارهم بأنفسهم، كتعرضهم للسلب وإغراق القوارب وإطلاق النّار.


ينتقل المخرج بعد ذلك إلى المآسي الشخصية لبعض أبطاله، فنرى «غادة/أمل عرفة» تحترق ألماً على فراق طفلها الذي مات بين يديها، مصارعة إحساسها بالذّنب في نموذج بدا مصطنعاً، يصعب أن يرقى لمشاعر أمهات فقدن أطفالهن بالطريقة نفسها.


من زاوية أخرى نجد لعبة القدر واضحةً في صورتين مؤلمتين:


الأولى بشخصية «أبو وليد/علي كريّم» الذي قرر السفر ليضع نفسه في مواجهة مع الموت بدلاً من أولاده، في حين أنّ الموت حصد أرواح أولاده بصاروخ هدم المنزل وأحاله ركاماً، وانتهى بأبي وليد إلى الجنون.


في الصورة الثانية استعان المخرج بحادثة موت (71) لاجئاً سورياً في النمسا في أحد البرادات، لينهي حياة شخصياته جثثاً متجمدة، بعد أن كان يفصلهم عن الوصول كيلومترات قليلة.


في ثلاثية «موطني» لم يصل الأداء التمثيلي إلى معادل بصري للألم الواقعي، وبقي مجرّد تمثيل، إلا أنّ المشهد الأخير يحملنا على تخيّل الناس الذين اختنقوا في الواقع بين جدران البراد، وحجم الخوف وهم يواجهون الموت، ويقودنا إلى التفكير كيف اختلطت مشاعر اللاجئين وكيف تبخرت أحلامهم جميعاً مع آخر أنفاسهم.


صورٌ كثيرةٌ توالت، صور معتقلين ماتوا تحت التعذيب، وأشلاء نثرتها الانفجارات فيما بقي كثيرون تحت ركام الأبنية المهدمة.


هذه الصور بما تحتويه من آلام  تؤكد أن توثيق الحالات الإنسانية بشخوصها الحقيقية أكثر تأثيراً ومصداقية من تجسيدها مهما بلغت المعالجة الدرامية.


وعلى الرّغم من المشاعر التي امتلأت بها مشاهد ثلاثية «موطني»، إلا أنها لم تشكل علامة فارقة بين الوجود أو العدم، وبين حرارة الحب أو الاحتراق برداً وناراً، لكنها مسّت كثيراً من الندوب، وألقت في هوّة أرواحنا مزيداً من الجثث ونكأت جراحاً لمّا تندمل بعد.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +