أشكال ألوان| المارشال الآيل للانقراض

أشكال ألوان| المارشال الآيل للانقراض

وقف المارشال الذي يرتدي بزّة عسكريّة بدون «رتب» أمام كتائبه المؤلفة من أطفال ومراهقين، استجمع لعابه، وابتلعه، ثم صاح كديك في ذروة هياجه الجنسي:


«أمّة عربية واحدة....»


ردد الأطفال «ذات رسالة خالدة...»


لم يعجب مستوى صراخ الأطفال المارشالَ المتحفز للمعركة، فصرخ بصوت أكثر هديراً: «أهدافنا»، وعاود الأطفال الصراخ خلفه.


هكذا، كان الطفل السوري يبدأ يومه الدراسي، بعد جرعة عالية التركيز من السمّ البعثي المعدّل خصيصاً، ليناسب الأطفال دون الثامنة عشرة، وتحت إمرة هذا الإنسان الغريب الأطوار، «مدرب الفتوة».


قد يكون من الممكن أن تتم دراسة هذه الشخصيّة بشكل مستقل من قبل علماء النفس، فمدرب الفتوة إنسانٌ لا مدنيّ ولا عسكري، لا أميّ ولا متعلم، يقف تماماً في المرحلة التي تسبق مرحلة تطور البشر إلى النموذج المعاصر.


تأكله عقدة نقص تجاه الضباط الحقيقيين، ويحمل ذات اللوثة التي يحملونها في التعالي على العلم والمتعلمين.


يزيد من أزمته افتقاره لكلمة «أستاذ» رغم أنه يجلس بين «الأساتذة»، إذ لا يُسمح للطلبة باستعمالها في ندائه. فهو «رفيق»، أجل مجرد «رفيق» لا أكثر ولا أقل. يقف في الفراغ الممل بين الجيش والتعليم، عسكري بلا معارك، مدرّس بلا دروس، بندقية بلا رصاص. أزمة هويّة لا ينفع معها انتماء مهما تجذّر.


و«مدرب الفتوة» مثل كل الكائنات الفقارية، تحوي فصيلته «ذكراً» و«أنثى» وهذه الأخيرة ظاهرة تتفوق على الذكر في غرائبيتها. فإضافة إلى كل العقد والأزمات السابقة، هي عدو للجمال أينما وجد. لا شيء يزعجها ويحولها لكائن متوحّش كشعر طالبة مصفف بعناية، أو آثار كحل أو أحمر شفاه. على أظافرها دائماً طلاء أظافر متآكل. لا أحد رآها يوماً إلا في هذه الحالة، ولا أحد يعرف متى كانت مطلية بأناقة، أو متى تتم ازالة الطلاء بالكامل. يصلح شعرها غالباً ليكون فرشاة مدفع ستاليني التوجهات. لا تقلّ عقائدية عن نسختها المذكرة، فهي ترى أن ترديد الشعار، والصراخ بصوت عالٍ بحياة القائد الخالد، الغاية الأولى من بناء المدارس، وأن ما تفعله الفتيات بقية اليوم في المدرسة هو مضيعة للوقت، فالفتاة مصيرها لبيتها أو لحزبها، فلماذا التعلم وإضاعة الوقت؟


رغم كلّ الأبحاث التي قام بها علماء الإجتماع والتنمية، ما زالت الدراسة المؤهّلة لهذه المهنة، سراً غامضاً، يرفض مدربوا ومدربات الفتوة البوح به، وبسبب التطورات التي أدخلها المعلم الأول مستفيداً من سنوات دراسته في بريطانيا، وإدراكه لضرورة إعادة ثكنات الأطفال، إلى مدارس، فإنّ مدربي ومدربات الفتوة اليوم، عرضة لخطر الإنقراض بشكل جدّي، ويخشى علماء الإناسة من موت آخر أفراد هذه الفصيلة، وأن تموت معه أسرارها، وتخسر البيئة نوعاً مهماً ذو دور حيوي في التوازن البيئي.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +