أشكال ألوان| هل سيستفيد الأسد من «مثلث التطبيع الروسي ـ التركي ـ الإسرائيلي»؟

أشكال ألوان| هل سيستفيد الأسد من «مثلث التطبيع الروسي ـ التركي ـ الإسرائيلي»؟

تشهد العلاقات الروسية-التركية في الأيام الأخيرة تحسناً يضع نهاية للأزمة السياسية، التي اندلعت إثر إسقاط تركيا لطائرة روسية قرب الحدود التركية-السورية في تشرين الثاني-نوفمبر الماضي.


وترجع الأزمة السياسية بين البلدين بالأساس إلى قضايا أخرى أهمها الموقف من بشار الأسد، فكما هو معروف تنخرط تركيا في المعسكر الداعي إلى اسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، وتدعم فصائل في المعارضة السورية، في حين تدعم روسيا بشكل مطلق النظام السوري وتتولى جزءً كبيرًا من العمليات العسكرية في سوريا ضد الفصائل والتنظيمات المختلفة المناوئة لبشار الأسد.


إلا أن التغيرات في الموقف الأمريكي والغرب عمومًا من النظام السوري، وتحول الهدف الرئيسي للمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة من إسقاط الأسد إلى القضاء على تنظيم «الدولة الإسلامية»، والتحالف الآني مع الأكراد في مواجهته، جعل تركيا تشعر بأن دورها الإقليمي بدأ يتراجع بعد هذا التحول خصوصًا مع تدهور علاقاتها مع مصر بعد إطاحة الانقلاب العسكري بالرئيس المصري السابق محمد مرسي، وإعلان السعودية عن تغييرات في سياستها الإقليمية ومساعيها لتغيير استراتيجي في سياستها بالعموم كما تفيد الـ «رؤية» التي أعلن عنها ولي ولي العهد السعودي.


لذلك تبدو تركيا باتجاه إعادة التموضع في منطقة الشرق الأوسط، وتغيير علاقاتها مع جيرانها وإعادة ترتيب تحالفاتها الإقليمية والدولية، من هنا ربما يمكن فهم الاندفاع التركي نحو تطبيع العلاقات مع الجار اللدود من جهة، وتطبيع العلاقات التركية الإسرائيلية كما أعلن الأيام الماضية من جهة أخرى.


ولعل الأزمة التي يعيشها الاتحاد الأوروبي اليوم إثر «زلزال البريكسيت» وخروج بريطانيا من الاتحاد، والشكوك حول مستقبل الأخير التي طفت على السطح، تفرز معطيات واضحة تدل على أن الاتحاد سينشغل لأعوام قد تطول أو تقصر بتبعات هذا الخروج، وأيضًا بمعالجة توجهات انفصالية أخرى في أكثر من بلد أوروبي، وطبعا إعادة تقييم فكرة الاتحاد وشكله من جديد، ما سيشوش بالضرورة على المفاوضات التركية-الأوروبية بشأن انضمام تركيا إلى الاتحاد، وسيؤخر هذا الانضمام وربما يطيح بالفكرة نهائيًا حتى إشعار آخر.


كل هذه التطورات على المستوى الأوروبي ستشجع تركيا على الذهاب أبعد، إن وجدت أذرعًا ممدودة، في شراكات وتحالفات جديدة تعزز موقعها في الشرق الأوسط والعالم، وأكثر قدرة على تحقيق طموحاتها الاقتصادية والسياسية، خصوصا مع أردوغان الذي تتراجع شعبيته يومًا بعد يوم بحاجة ماسة لتحقيق تقدم ملموس على المستوى الاقتصادي، والحفاظ على مستوى النمو الذي حمله إلى تجديد ولايته.


ولا يجب إغفال أثر الاتفاق النووي الإيراني، وانعكاس انفتاح الغرب على إيران إيجابًا على قدراتها بالتحرك في منطقة الشرق الأوسط، علما أنها تلعب دورًا هامًا بالفعل إن كان في الملف السوري أو في الملف اليمني. بالإضافة طبعًا إلى التحالف الإيراني الروسي في سوريا، والذي لا مصلحة لتركيا فيه، وإن لم تستطع شقه فمن الأفضل أن تضعفه عبر التقرب من أحد طرفيه سعيًا لضعضعته.


في هذه الظروف، إضافة إلى تعثر إسقاط بشار الأسد، وهي رغبة تتشارك فيها تركيا مع دول أخرى في المنطقة وأهمها السعودية، يبدو التطور الأخير في العلاقات الروسية-التركية المفاجئ للمعارضة السورية وخصوصًا الائتلاف السوري المعارض، والأهم لحلفاء تركيا الغربيين المترددين في إسقاط بشار الأسد. يبدو هذا التطور مفهومًا، خصوصًا أنه يتوافق مع تحسن مشابه في العلاقات التركية-الإسرائيلية بتوقيع اتفاقية تطبيع مع إسرائيل، التي تستعد لمناورات عسكرية مع قوات روسية تنطلق من موانئ سوريا حسب قناة روسيا اليوم شبه الرسمية، ما يعني أن العلاقات بين البلدين ماضية باتجاه تحسن نوعي.


هذه المستجدات على محاور ثلاث، تركيا-روسيا، وتركيا-إسرائيل، روسيا-إسرائيل، تدعو إلى التفكير حول المدى الذي يمكن أن تصل إليه هذه التقاربات، واحتمالات أن تنتهي إلى حلف ثلاثي روسي-تركي-إسرائيلي، وآثار مثل هذا الحلف في حال تحقق على المنطقة بالعموم والمسألة السورية خصوصًا.


كما يدعو للتساؤل عن إمكانية أن تنخرط دول شرق أوسطية أخرى في تقاربات مشابهة مع الدول الثلاث، وردود أفعال دول المنطقة والمجتمع الدولي، وإن كانت تقاربات تركيا وروسيا واسرائيل وتطورها إلى حلف سيدفع دول أخرى في المنطقة إلى التمحور حول قطب مناوئ؟ خصوصًا وأن هناك بوادر لحلحلة الخلاف المصري السعودي.


لكن ما يهمنا هنا هو آثار هذه التطورات على القضية السورية، وعلى جهود المعارضة السورية لإسقاط بشار الأسد، بما فيها الفصائل الإسلامية المتشددة الفاعلة على الأرض، والأهم ما يسمى المعارضة المعتدلة التي تلقى دعمًا غربيًا، فلطالما استفادت جميع الأطراف المناهضة لبشار الأسد من تراخي الحكومة التركية في مراقبة حدودها، عدا عن الدعم التركي المباشر والصريح لأطراف معينة كالائتلاف مثلًا، والأهم ميدانيًا، مرور الدعم الأمريكي لفصائل في المعارضة السورية عبر الحدود التركية، وانطلاق الطيران الأمريكي من قواعد جوية في تركيا لتنفيذ ضربات ضد تنظيم «داعش» أو الإسناد الجوي للفصائل التي تدعمها الولايات المتحدة.


يفيد التقارب الروسي التركي والبدء بعملية تطبيع للعلاقات بين البلدين كما أعلن الكرملين اليوم، بأن العلاقات التركية الروسية بطريقها لأن تتجاوز الجفاء والعدوانية إلى علاقات قائمة على المصالح المتبادلة، وهذا بالضرورة سينعكس على الملفات الخلافية بين البلدين وأهمها بشار الأسد ونظامه، وبالنظر إلى الوقائع الميدانية والحضور العسكري على الأرض، إضافة إلى التوجهات العامة في الغرب، والأخذ بالحسبان حاجة أردوغان إلى إنعاش الاقتصاد ودفع عجلة التنمية في بلاده وتحقيق مكاسب اقتصادية، تبدو روسيا أقدر على ترجيح كفة الميزان ونزع تنازلات من البلد الجار/ الخصم، الذي يطمح لدور إقليمي أكبر للحفاظ على مصالحه وأمنه في المنطقة. ما يعني أن تركيا ستتراجع خطوة وربما أكثر للوراء في موقفها من الأسد، ومن ثم خطوات بعيداً عن المعارضة السورية، ليصبح بشار الأسد أحد أكثر الرابحين في حال تطور التقاربات، والأسوأ في حال تحقق حلف ما بين الدول الثلاث.


الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +