أشكال ألوان| مرحلة المراجعات والمناقدات الدينية

أشكال ألوان| مرحلة المراجعات والمناقدات الدينية

قريباً وتكون الثورات الثقافية والتربوية والسياسية والأمنية الحقيقية في المنطقة، مكثفة في ثورة وعي ضد الوهابية من ناحية، وثورة وعي ضد ولاية الفقيه من ناحية ثانية.


كما ستكون تلك الخطوة هي الأنضج والأكثر جراءة، لتجفيف منابع الإرهاب السني والشيعي معاً، بهدف إعادة الإعتبار للإسلام الذي تعرض لكل هذا التشويه، عبر شتى مدخلات ومخرجات الفقه الدموي المتوحش والمنحرف والمأزوم بشقيه،  خصوصًا وأنه صار الحاضن الاجتماعي والفكري للإرهاب، كما لتبريراته غير المستساغة أو المقبولة اليوم.


ذلك أنه الفقه الذي يقف ضد مساعي السلام والاستقرار العالمي، في حين أنه يعمل وبشكل ممنهج على تكريس النظرة المشوهة للإسلام.


والحال أن المشكلة الكبرى تكمن في الخلل الجوهري داخل منظومة هذا الفقه المتطرف الذي لا يحترم المدنية والديمقراطية والتعايش. ثم إنه الفقه الذي صار كارثة على العرب والمسلمين عمومًا، كونه يقف ضد الإسلام الوسطي العقلاني والسمح والراجح، الذي ينبذ التعصب والإلغاء والرؤية الواحدية للعالم.


المهم هو أن نكون واقعيين فقط، ونحن ندخل مرحلة المراجعات والمناقدات، التي لا بد منها شئنا أم أبينا. فلانتهرب من الأسئلة الكبرى، أو نظل مأخوذين بوعي المؤامرات الساذج.


صحيح أن ذلك الفقه العنفي يتم استغلاله، بل وتحدث إدارته أيضًا، من قبل من يمثلون أعلى تجليات المافيا الدولية لترهيب العالم، لكن الأصح هو أن الوعي العربي والإسلامي صار أكثر من أي وقت مضى؛ بحاجة ماسة للتصحيحات وللإصلاحات اللائقة والشجاعة.


والشاهد أنه الوعي الذي عجز عن تصحيح أخطائه المتراكمة، ورضوخه الغيبوبي للمتاجرين بالدين، ومن شأنه طبعًا أن يفكك الدول والمجتمعات، كما بسببه ستقوم بتصفية الحسابات معها، تلك المافيا الجديدة التي صارت تبرمج الإرهاب حسب مصالحها القاسية والشنيعة، مع العلم أنها القوى القذرة التي تلعب على كل الحبال التدميرية والابتزازية في المنطقة كما تفيد المؤشرات، متكئة على عدم خوض العرب والمسلمين عملية الإصلاحات الدينية التي تأخرت أكثر من اللازم.


فإذا كان الإرهاب باسم الإسلام، ليس هو الإسلام الحقيقي، ينبغي على فقهاء ومفكري الإسلام الوسطي الحضاري والتنويري المتسامح -غير الطائفي أو المبرر للاستبداد وللكراهيات وللتخلف ولتكفير الآخر- أن ينطقوا ويستنكروا ويدينوا كل مايحدث باسم الإسلام، مع التحلي الضروري بالمسؤوليات المطلوبة لمرحلة الإصلاحات الدينية.


والثابت هو أنّ الفكر التكفيري؛ توأم الفكر التدعيشي، كما أن من أبسط نتائجهما، إخراج عدة أجيال من المشوهين المتلفين نفسياً والمعاقين وجدانيا أيضاً.


ومهما تنافرت الوهابية والخمينية مع بعضهما مثلا، إلا انهما تلتقيان عند نقطة جوهرية واحدة للأسف:


الإستبداد الفكري المنغلق والمتخلف، الذي يستغل الدين سياسيًا، كما يشخصن الدول ويستلب المجتمعات، في عداء واضح للحريات الفكرية المنفتحة على قيم النهضة والتطور.


وبالمحصلة؛ فإنه مع نجاح مرحلة الإصلاحات الدينية التي تتطلب الجدية والحزم، ولا تقبل المراوغات والتسويفات؛ يمكننا الخلوص بهدوء حينها إلى إمكانية تغيير سلوك العقل العربي والإسلامي على نحو ايجابي مشرف، وبما يتيح له تحديث خطابه وبنية تفكيره، وكذا تطوير رؤيته للذات وللآخر؛ مروراً بما تتطلبه معركة الحد من الغلو الأصولي الناشب تجاه التمدن والحقوق وأهمية تقنين الفتاوي، وصولًا بالتالي إلى استطاعة ذلك العقل وإبداعه في محو الصورة السلبية العالمية المكرسة عنه.


وأما من دون ولوغ مرحلة الإصلاحات الدينية، من الصعب أن نتمكن من الولوغ في التنافس الإقليمي والدولي بشكل سوي يجلب الاعتزاز المحلي والإحترام الخارجي.


ثم إنه في خضم هذه المرحلة العاصفة التي تعيشها المنطقة؛ يبقى من الضرورة أن يصير الدين عامل تعزيز للمعرفة وللتقدم وللمستقبل، ومثار فخار حقيقي للشعوب التي تحكم نفسها بنفسها، وتتسامح، وتحترم الدين أكثر، من خلال فصله عن غايات الاستغلاليين والدمويين من شتى الأنواع والأصناف.


كما أن الشعوب المخدرة بذلك النوع من العصاب الديني المعتوه، ستبقى بلا إنتاج فذ، كونها ستستمر في مدارات الترهيب الأرعن على نحو عبثي بائس لا أكثر ولا أقل.


وهكذا، فإن أوهامها وحماقاتها ستظل تمثل العبء الكبير على التحديث؛ كما على الحياة الجديرة، بتراكم خبرات الإنسانية، من أجل التنوير والرقي والدمقرطة والتفاعل اللائق مع العالم.


وليسقط في وعينا «اليوم اليوم وليس غدا» كل من يزعمون كذبًا وتدليسًا أنهم يريدون تجسيد إرادة الله عبر الارهاب والرجعية واحتكار الحقيقة؛ لأن إرادة الله تتجسد في البناء والسلام وتنزيه الدين، وليس في الهدم والقتل والإصرار الشنيع على تلويث الدين.


وأما من ينكر أن الإرهاب نفسه قد تحول إلى ورقة استراتيجية يتم اللعب بها بمكارة فائقة في الصراع السياسي والتحالفات الدولية؛ فهو إما غبي أو يخدم مصالحه، إلا أن باستطاعة العرب والمسلمين تقويض مساعي القوى التي تستخدم الدين كقفازات لإعاقتهم عن بلوغ مرحلة النضج بالمتغيرات الداخلية والحساسيات العالمية.


وباختصار شديد؛ ليس من خلاص حقيقي للدول والمجتمعات العربية والإسلامية، سوى المكافحة الجسورة للإرهاب ومنابعه على كافة المستويات، طال الزمن أم قصر!.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +