أشكال ألوان| عنصرية و«زعرنة»، والخسائر مادية «فقط»

أشكال ألوان| عنصرية و«زعرنة»، والخسائر مادية «فقط»

ذكرت الشرطة الألمانية يوم الثلاثاء 12 تموز، أنه تمت مهاجمة شقتين لطالبي لجوء في بلدة بريمنيتس صباح اليوم نفسه، وتم إضرام النيران فيهما. هكذا ابتدأ الخبر حسبَ الدويتشي فيليه، والذي لم يكن مجرد خبر بالنسبة للاجئين السوريين، بل كان سلسلة حوادث تجري هنا وهناك، بعضها عنصريٌ والآخر مجرد «زعرنة».


أما في لبنان، وتحديداً منطقة عكار، فقد بدأ عيد الفطر عند السوريين بأضواء ألسنة اللهب لا بأضواء الألعاب النارية، واكتفت الصحف اللبنانية بذكر الحريق الذي حدث في مخيم للاجئين السوريين بيد «مجهولين»، وأن الأمر قيد التحقيق، وكيف أن سيارات الدفاع المدني والإطفائية هرعت لمكان الحريق الذي تسبب «بخسائر مادية فقط»!


الوجه الآخر للحريق لم تُلقِ له الصحف اللبنانية أو الحكومة اللبنانية بالاً، متهربةً كما العادة من أي مسؤولية جنائية قد تقع على عاتق أحد اللبنانيين في مقابل «لاجئ سوري»، غير أن «عيسى» الذي خسر كل شيء، كل شيءٍ حرفياً، كان يعلم تماماً ما الذي حدث، ولماذا.


تمام الساعة الثانية والنصف ليل الخامس من تموز اشتعلت في مخيم حصنية، مفرق بقرزلا في قضاء عكار، ثلاث خيمٍ للاجئين السوريين تتبع جميعها لعائلة واحدة، كان المستهدف من ذلك الحريق الشاب السوري العشريني من مدينة حمص «عيسى»، الذي أخبرنا القصة كاملة بعد أن قمنا بالتواصل معه:


[caption id="attachment_7893" align="aligncenter" width="720"]الحريق الذي تم إضرامه في مخيم حصنية للاجئين السوريين في عكار شمال لبنان/راديو ألوان الحريق الذي تم إضرامه في مخيم حصنية للاجئين السوريين في عكار شمال لبنان/راديو ألوان[/caption]

«خرجت من سوريا منذ بداية الثورة السورية بسبب القصف الذي طال مدينتي حمص والخوف على إخوتي الصغار، عندما خرجنا لم نستطع أن نأخذ معنا أوراقنا الثبوتية فبقينا في لبنان مدة ما يقارب الأربع سنوات دون وثائق، ما اضطر والدتي للعودة منذ ستة أشهر إلى سوريا واستخراج بدل ضائع لأوراقنا الثبوتية، بعد التشديد الذي تقوم به السلطات الأمنية اللبنانية تجاه اللاجئين الذين لا يحملون وثائق.


خلال هذه السنوات كنتُ أعملُ في محل لبيع اللحوم، واستطعتُ من خلال عملي أن اشتري دراجة نارية بسعر 600 دولار، كانت فعلياً كل ما أملك.


على مفرق مدينة عكار كان يقف شابٌ من أبناء المنطقة مع أصدقائه، مشكلين حاجزاً للأشخاص الداخلين إلى المخيم والبالغ عددهم حوالي 45 لاجئاً سورياً، وفي كل مرة كان يستوقفني ويطالبني بإعطائه الدراجة النارية وأنا كنتُ أرفض، لكنني لم أتوقع أبداً أن الأمر سيذهب أبعد من ذلك.


[caption id="attachment_7891" align="aligncenter" width="581"]دراجة عيسى النارية التي كانت كل ما يملك دراجة عيسى النارية التي كانت كل ما يملك[/caption]

قبل الحادثة بيومين أي نهاية شهر رمضان، قَدِمَ الشاب نفسه إلى المحل الذي أعمل به، وهددني أمام الجميع وبدأ بالصراخ حتى تدخل صاحب العمل، ومن ثم جاءت دورية شرطة إلى المكان. ولأنه كان في حالة سكر شديد فقد اشتبك مع الشرطة واستطاع سحب مسدسٍ من أحدهم وبدأ بإطلاق النار بالهواء. أمسكته الشرطة وأخذت منه السلاح، واكتفت بكتابة محضر، وبسبب أنه كان في حالة سكر تركوه يذهب رغم أني أخبرتهم بما يفعله دائماً على مفرق عكار.


بعد يومين وأثناء نومي جاء ذات الشاب ليلاً ليسأل عني، وحين أخبروه أنني نائم قال لوالدي: إما أن يسحب ابنك المحضر المكتوب بحقي في الشرطة أو سوف انتقم منكم، بيد أن والدي أكد له أنني نائم وأنه يستطيع العودة في وقتٍ لاحق، لكنه لم يذهب بل كان قد قرر الانتقام بكل الأحوال، كان معه حوالي 25 من أصدقائه الذين بدأوا بإضرام النار في خيمتنا.


امتدت النار للخيم المجاورة وهي خيم أقربائي، ولم نستطع إخمادها إلا بعد أن أحرقت ثلاث خيم بما فيها. ورغم اتصالنا بالإطفاء وقوات الدفاع المدني، إلا أنهم لم يحضروا إلا في نهاية الحريق الذي أخمدناه بأنفسنا. بعد أن هربنا من النار جميعاً تذكّرَت والدتي أختي ذات الستة أعوام التي كانت لاتزال نائمة داخل الخيمة، فهرعت داخل النار لتنقذها.


لم يصب أحد منا بأذى جسدي، لكن أوراقنا الثبوتية الجديدة وكل ما نملك مما يعيننا على أسباب البقاء هنا التهمته النار، وكل ذلك كان لأجل دراجة نارية هي الأخرى احترقت بالكامل.


[caption id="attachment_7888" align="aligncenter" width="1032"]دراجة عيسى النارية بعد أن تم إحراقها دراجة عيسى النارية بعد أن تم إحراقها[/caption]

المساعدة التي حصلنا عليها من الأمم المتحدة هي الأخشاب فقط لنعيد بناء خيم جديدة لا نملك من ثمن بنائها شيء، لا زلنا ننام في العراء.


اضطررنا لإخراج الأطفال من مدارس تلك المنطقة والابتعاد عنها، انتقلنا إلى مخيمٍ آخر. لا مدارس للأطفال هنا، خسرتُ عملي وخسرتُ أوراقي الثبوتية، حتى ورقة الأمم المتحدة للإعانة، أنا لا أحد الآن ولا أستطيع حتى أن أثبت جنسيتي السورية!».


[caption id="attachment_7896" align="aligncenter" width="1032"]جانب من آثار الحريق في موضع تواجد الخيم المحترقة جانب من آثار الحريق في موضع تواجد الخيم المحترقة[/caption]

بين حملات المداهمة التي يقوم بها الجيش اللبناني والاعتقالات التعسفية، وظروف الحياة الشحيحة في مخيمات اللجوء، والعدالة ذات الضمير المعدم. تتربع «أعمال الزعرنة» على حياة اللاجئين السوريين في لبنان، الذين بحسب آخر بيان لمفوضية اللاجئين فإن عددهم هناك قد تجاوز 1,172,753 لاجئ، معظمهم يعيش في مخيمات بظروف أقرب ما تكون لظروف الشاب عيسى وعائلته.


وحده يدرك، من فرّ من الموت إلى الموت، المعنى الحقيقي لعبارة «خسائر مادية فقط».

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +