أشكال ألوان| يا لثارات التاريخ!

أشكال ألوان| يا لثارات التاريخ!

شكّل الهجوم المسلح على مقهى للمثليين الجنسيين في مدينة «أورلاندو» في الولايات المتحدة الأمريكية مفاجأة وسابقة في تاريخ الاعتداءات المسلحة والإرهابية ضد فئة ما، لا تشكّل تياراً سياسياً أو عرقياً، ولا حتى ديناً. هم مجموعة من المثليين الجنسيين الذين أصبحت حقوقهم مصانة بحكم القانون الذي أقرّته الولايات المتحدة في العام الماضي، واحتفل الرئيس الأمريكي بهذا النصر ضد التمييز بين الشاذيّن جنسياً وغير الشاذين، على اعتبار أنها حاجة فيزيولوجية إن خالفت الطبيعية البشرية فهذا خيار يجب احترامه بحسب القانون الأمريكي، الذي سبقته بعشرات السنوات قوانين مماثلة في أوربا، إلا أنه لم يحظ بهذا الاهتمام الرسمي كما في الولايات المتحدة!


ومن طبيعة الأشياء أن تحاول كل فئة -مهما كان توجهها- خاصة وإن كانت تعتبر نفسها أقلية في مجتمع أكثري يحاول القضاء عليها، أن تصنع مظلوميتها الخاصة لحماية المكتسبات التي حصلت، وقد تحصل، عليها من الحكومات. ولعلنا نذكر أن أكثر مظلومية نالت شهرة واسعة، لا بل سنّت القوانين لحماية هذه المظلومية، ووضعتها ضمن مفهوم الاعتداء على أصحاب هذه المظلومية وهي «معاداة السامّية»، وأصبحت أوربا والولايات المتحدة تعتبر كل من ينكر وقوع «الهولوكست» عدواً لأصحاب هذه المظلوميّة؛ حيث قيل إن عدد ضحايا الإبادة التي مورست بحقّ اليهود في أوربا تجاوز المليون ونصف المليون يهودي، إلا أن هنالك مراجع أخرى تتحدث عن بضعة مئات الآلاف من اليهود، وأياً يكن العدد الحقيقي إلا أننا لا نستطيع إنكار أنّ هناك مجازر نفذت في حق فئة معينة، وهو ما لا يمكن إنكاره في حال من الأحوال!


على الرغم من إقدام الجيش النازي الألماني (الأوربي) على ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية هذه، إلا أن أصابع الاتهام تتجه دائما إلى الشرق الأوسط، على اعتبار أن سكان هذه المنطقة هم أعداء تاريخيون لإسرائيل صاحبة المظلومية، والتي أسستها على حساب شعب كامل دون الاهتمام بمفهوم المظلومية الفلسطينية، التي مرّت عليها عشرات السنين، ومن المفارقات المضحكة أن هؤلاء الأعداء (العرب) هم ساميّون ويشتركون مع بعض اليهود في العرق، بعيداً عن الدين، ثم يتهمونهم، ليطرح السؤال المحيّر هنا «كيف للمرء أن يكون معادياً لنفسه؟؟»


وبالعودة لما حدث في مقهى «أورلاندو» للمثليين، فقد قيل إن منفذ الاعتداء هو أمريكي من أصول مسلمة، تبيّن فيما بعد أنه مثلي فشل في الانتساب إلى هذا النادي، فكان الاعتداء بهدف الانتقام، بحسب وسائل إعلامية. وسوّقت في أحيانٍ أخرى روايات طائفية حول شخصية المعتدي، وتزامن هذا الاعتداء مع اعتداء آخر كانت ضحيته نائبة في مجلس العموم البريطاني «جو كوكس» حيث كانت تشكل حالة سياسية متقدمة، وتقف في مواجهة الداعين للانفصال عن الاتحاد الأوربي، فكانت ضحية أحد المتطرفين اليمينيين في بريطانيا، حيث قال مجيباً عن اسمه للمحكمة «الموت للخونة وعاشت بريطانيا مستقلة». إلا أن تقارير إعلامية بريطانية قالت إن «توماس مير»، المتهم بقتلها مختل عقلياً ويعاني من مرض نفسي، دون إيجاد مظلومية يمكن البناء عليها، كتلك التي حدثت في أورلاندو أو بروكسل أو ما حدث في بداية عام 2015 عندما قيل عن الهجوم على متجر يهودي بالتزامن مع الاعتداء على صحيفة شارلي إيبدو، إنه اعتداء يشكّل معاداة واضحة للساميّة!.


الأمر نفسه اعتمده بعض الأكراد، من مؤيدي سياسات (PYD)، في التعاطي مع الرافضين لقيام ما أسموه بـ«إقليم غرب كوردستان»، ضمن رفض هؤلاء لمشروع تقسيم سوريا جملة وتفصيلاً؛ حيث اعتادوا أن يسموهم «فلول البعث»، ولطالما لجؤوا إلى الشتائم والسباب، مستخدمين المفردات النابية في بعض الأحيان، مستثمرين فكرة مظلوميتهم على يد «حزب البعث» على حد وصفهم، وحرمانهم من الجنسية والتعليم واستخدام اللغة الكردية، متناسين أن كلّ المكونات السورية، نالها ما نالها من ظلم وحيف، على يد النظام، وأن هذا المقدار من الظلم هو بالذات ما ينبغي أن يؤسس لفكر ليبرالي منفتح، يتصدى للفكر الشوفيني العفن الذي اعتاد النظام على اتباعه في التعاطي مع كل القضايا في سوريا.


مما لا شك فيه أن هذه المظلوميات باتت سيفاً مسلّطاً على الرقاب، وأصبحت سبيلاً للانتقام من أي جماعة يجب الانتقام منها، بدءاً من الأفراد كما حدث في الاعتداءات المتعددة في أماكن كثيرة من العالم، وربما أصبحت تهمة معاداة السامية سيفاً على رقاب اللاجئين إلى أوربا، ممن يعارضون أنظمة الحكم في بلادهم، على اعتبار أن اسرائيل هي عدو تاريخي لشعوب المنطقة، وبالتالي من الممكن أن يعتبر أي تصرف يصدر عن هؤلاء بمثابة معاداة للساميّة، أو الانتقام من الحكومات، كما حدث في التصويت داخل البرلمان الألماني لإدانة الإبادة الجماعية التي نفذتها السلطنة العثمانية ضد الأرمن، ما خلّف أزمة دبلوماسية بين البلدين، أو تلك المظلومية التي جعلت إيران التي تريد الدفاع عن المقدسات تستقدم كل المتطرفين الشيعة إلى سوريا، بدافع حماية المقدسات لقتل الشعب السوري، والوقوف ضد ثورته الشعبية!


من معاداة الساميّة إلى معاداة المثلية، مروراً بمعاداة الكوردية، وما بينها، باتت لهذه المظلوميات الكلمة العليا في المبادئ الإنسانية، دون النظر إلى جوهر مآسي شعوب العالم، كي يخرج تقرير مثير للجدل عن الأمم المتحدة التي تحدثت عن وصول عدد اللاجئين في العالم إلى نحو 65 مليون بين لاجئ ونازح في بلده، ثم تغطي على جرائم الانظمة الحاكمة التي تقتل شعوبها مثل سوريا وتدخل شاحنات إغاثة إلى البلدات المحاصرة لكنها فارغة من إي إغاثة تسد رمق الجائعين!.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +