أشكال ألوان| جان دارك الشرق المتعبة

أشكال ألوان| جان دارك الشرق المتعبة

غفى الشرق على أحلامه برهة طويلة، ولطالما حمله الحلم نحو ذاكرة من عشب وماء، نحو المتخيل الذي يفسح الطرق إلى عالم من وجود مغاير، ربما هو عالم الوجود الحق إذا كان ثمة من متسع لوجود حق.


حين يستعصي الوجود الحق ويستغلق، ينفتح المتخيل على ممرات إلى حدائق سرية للعالم، ربما هذه إمكانية بديلة في عملية الخلق الموازية التي منحت العاجز حيلة أن يمتلك العالم ملء يديه من الوهم.


إنه الشرق يا سادة، الرحم الذي هبطت منه الآلهة والأحاجي والأساطير، المبدع العاجز الذي أعاد خلق العالم ثم قسمه بين الآلهة ومنح كل إله سهم، ولفرط ما أحس بالتعب قتل الآلهة جميعاً.


هو البغل حمّال الجهات، جهة الحلم والضوء والدهشة والولادة والخلق والعجز، كم مرة أوهنه التعب ولم يقل تعبت.


كيف أستطاع الشرق أن يلد كل هذه الآلهة وكيف أستطاع أن يقتل كل هذه الآلهة؟ للسبب ذاته كان بمقدوره دوماً أن يقتل الحب و السلام، الحب والسلام قتيلان في الشرق، ككل الحق والخير والجمال تنوس القيم بين الموت والإنعاش.


وحدها الذكورة تحيا في شرق الموت، ذكورة القتل، ذكورة الجوع، ذكورة اللجوء، ذكورة الطغيان، ذكورة الرجل، ذكورة الجهل، ذكورة المذهب، ذكورة خليفة داعش، ذكورة الولي الفقيه، أبرز غياب في الشرق هو غياب المرأة الأنثى.


أفلح الشرق في أسطرة الرجل الذكر وغيّب المرأة الأنثى التي غاب معها ماء الحياة وملحها، غاب الحمام.


الظاهرة الذكورية قانون حكم تاريخ الشرق فيما بقيت الظاهرة النسائية مجرد بيولوجيا، اللهم إلا بعض استثناءات من خجل، من سوء حظ الشرق والعالم أن المرأة لم تنزح إلى المركز من الظاهرة السياسية والثقافية والحضارية والاجتماعية والدينية، وحين تحاول الولوج إليه فإنها تستعير من الرجل عينيه ومرآته كي ترى نفسها جيداً.


لكن لا شيء ثابت في الحياة وفي العالم وفي التاريخ ويمكن للقاعدة أن تتغير، على الأقل تلك الخاصة بعوالم البشر السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، ويمكن للاستثناءات أن تنمو فتقترب المرأة رويداً رويداً لتكون المركز في الظاهرة.


اقتحمت مريم رجوي المسرح المغلق للسياسة الإيرانية وهاهي تشق طريق النساء إلى مركز الحياة السياسية، وتقدم دليلاً ساطعاً على إمكانية إحداث خرق في تاريخ الهيمنة الذكورية ليس في إيران وحدها ولا الشرق بل في العالم، إذ لا يزال الرجال يسوسون العالم بأجمعه ويجرونه من حرب إلى حرب ومن موات إلى موات. لعل مريم رجوي هي رسالة الشرق إلى ذاته إذ يقول تعبت من نفسي، تعبت من ذكورتي، هي رسالة المرأة للرجل أن ليس بوسعك بعد الآن أن تواصل كتابة التاريخ بالملامح نفسها، لست وحدك من يملك الحكمة والشجاعة والكاريزما.


فمريم رجوي المناضلة التي تتزعم أكبر منظمة إيرانية معارضة قبل أن تصبح زعيمة المعارضة الإيرانية بأجمعها، وانتخبت من قبل برلمان المعارضة رئيسة لإيران، حين صعدت سلم السياسة صعدت معها النساء، وحجزن نصف مقاعد البرلمان المعارض واعتدلت قامة العالم، قبل أيام شاءت الأقدار أن ترأس مؤتمر المعارضة الإيرانية في باريس الذي انعقد بحضور مئة ألف من أنصار المعارضة في المهجر.


بكاريزما خاصة خاطبت الجمع ووجهت رسائل ليس فقط من معارض لنظام الولي الفقيه، بل إلى السياسيين كما إلى الإنسان، رسالة الحكمة الفارسية العتيقة «الطمع بئر مظلمة عميقة، قاعها مختف وفوهتها واسعة مفتوحة».


هناك على مقربة من جان دارك، أو عذراء أورليان، أو القديسة التي يراها الفرنسيون أيقونة تاريخهم وملهمتهم الأعظم والأجمل، هتفت جموع من الإيرانيين باسم مريم رجوي لتقول نحن أيضاً ثمة من يلهمنا أيها الفرنسيون... أيها الشرق، أيها العالم.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +