أشكال ألوان| نظرة في تحالفات حافظ الأسد الداخلية

أشكال ألوان| نظرة في تحالفات حافظ الأسد الداخلية

تبنى الأنظمة الديكتاتورية على ظروف تاريخية وسياسية عدة، والتي قد تجتمع في بعض الأحيان لتنتج نظاماً سياسياً ديكتاتورياً، وقد شهد القرنان العشرون والواحد والعشرون ظهورَ كثيرٍ من الديكتاتوريات السياسية، وقد تطول أو تقصر فترة بقاء هذه الديكتاتوريات وفقاً لما تحتمه الظروف العامة، وبناء هذه الأنظمة وتشعبها داخل المجتمعات والمؤسسات والأنظمة.


شهدت البلاد العربية ظهور العديد من الديكتاتوريات، ويبقى لحافظ الأسد في سوريا وديكتاتوريته البعثية، النصيب الأكبر من الكلام السري والعلني حولها. قادَ حافظ الأسد هذا النظام المتسلط منذ بداية السبعينات من القرن الماضي، ولا يخفى على أحد أن حافظ الأسد بنى ديكتاتورية قوية في سوريا وتغلغل هو ومن معه في طبقات المجتمع السوري كافة ومؤسسات الدولة السورية، وهنا أحب الفصل بين السلطة السياسية والنظام الحاكم، وبين الدولة السورية ومؤسساتها.


بنى حافظ الأسد سلطته الديكتاتورية على نظام أمني عسكري بواجهة سياسية اقتصادية اجتماعية، وعلى مبادئ حزب البعث الحاكم، وسعى من خلاله للسيطرة بشكل كامل على كل منافذ الدولة والمجتمع السوري وبالتحالف مع سلطتي المال والدين والتي تمثلت بالشيخ احمد كفتارو والتاجر بدر الدين الشلاح، اللذين ضمنا له حكم الأكثرية الدينية في سوريا.


ارتبط حافظ الأسد ارتباطاً وثيقاً بالشيخين أحمد كفتارو ومن بعده محمد رمضان سعيد البوطي، اللذين قادا دار الإفتاء في سوريا، وسيرا المد الديني الذي دعمه مادياً ورسمياً، خصوصاً فيما يتعلق بالمؤسسة الدعوية الدينية التي بسط الأسد سلطته عليها، والتي خرّجت الآلاف من متبعي الدعوة الصوفية سوريين وعرب وأجانب، والتي تدعو للابتعاد عن السلطة السياسية والحكم وفقاً للفكر الذي تسير عليه، وبذلك ضمن الأسد حكم الأكثرية السنية في سوريا منذ بداية وصوله لسدة الحكم وحتى قبل ذلك وخصوصاً فيما يتعلق بإصدار الفتاوى التي شملت مجازر حماة وحلب وغيرها، في الثمانينات وكذلك في إطار تثبيت حكم الأسد لسوريا من خلال فتاوى وأحكام أخرى.


بنا الأسد تحالفاً قوياً مع تجار سوريا ودمشق خصوصاً، حيث يظهر دور بدر الدين الشلاح، شهبندر التجار كما يطلق عليه، في ضبط هذه الطبقة الاقتصادية المهمة في نسيج المجتمع السوري والاقتصاد السوري، والذين كانوا يعرفون بالحذر من التقلبات السياسية والاجتماعية، وخصوصاً فيما يتعلق بالحادثة التاريخية وهي الاضراب الذي كان ينوي تجار دمشق القيام به إبان مجازر مدينة حماة، والتي قام بها الأسد وأخوه رفعت، حيث كان دور الشلاح كبيراً في ضبط هذه الطبقة وإفشال الإضراب، وبقي بدر الدين الشلاح ومن بعده ابنه راتب قادرين على  ضبط التجار الدمشقيين. ولا يخفى على أحد العلاقة القوية بين حافظ الأسد وبدر الدين الشلاح، والذي كان يعتبره الجميع بيضة القبان بالنسبة للمجتمع الدمشقي بثقله الاجتماعي كشخص قبل ثقله الاقتصادي.


ضمنَ الأسد حكم سوريا من خلال عسكرة المجتمع السوري بكل ألوانه وطوائفه، وفرض عليهم سلطة أمنية قوية متمثلة بأفرع أمنية قائمة على خبرة المكتب الثاني وما أنجبته مكاتب البعث الأمنية، وهذه السلطة الأمنية الفاسدة والمتغلغلة في المؤسسات، والتي كانت ترجع بشكل مباشر لحافظ الأسد بشكل شخصي، والذي حرص على إدارته لها بشكل كامل خوفاً من أي حالة تمرد. وهو من قام بالتخلي عن أخيه وطرده خارج سوريا بعد ضغط من الحلفاء المتمثلين بالشلاح وكفتارو، حيثُ كانا يريان في بقائه خراباً لسلطة الأسد الأب.


إن التغيير الذي طرأ على هذه المنظومة المافيوية، نتج عن الحاجة لإيجاد بدائل أخرى، خاصة في حالة عدم الرضى من قبل المتسلطين الجدد في الأجهزة الأمنية والعسكرية من داخل النظام على السياسات القديمة، ورؤاهم في تغييرات طارئة وضرورية في هذه الوجوه والتي بدأت تترهل بالنسبة لهم.


عملت السلطة الجديدة المتمثلة بالأسد الابن ومن حوله من ضباط القصر الجمهوري والأقرباء، على خلق طبقة جديدة اقتصادياً ودينياً، ولا يرى أولئك بأنه من المفروض التعامل وفق سياسة الأسد الأب، بالنسبة للتحالفات التي قام بها مع كفتارو والشلاح الأب والابن، بل بفرض سياسة جديدة أكثر فساداً وتسلطاً على المجتمع السوري ومؤسسات الدولة السورية، وتغلغله في كل مفاتيح الحياة اليومية للمواطن السوري، وفرض سياسة فساد جديدة وهي التغاضي عن الفساد لاستخدامه كورقة ضغط للتحكم أكثر، وهذا واقعٌ فُرِضَ على كل موظفي المؤسسات الرسمية والضباط بكافة رتبهم، وعلى التجار أيضًا، مما ساعد أكثر على التحكم بكل قرارات الدولة ومؤسساتها كافة.


شهدت سوريا وتشهد أسوأ مراحل تاريخها الحديث منذ بداية حكم الأسد الأب وحتى اللحظة، فنتائج البديل الجديد لم تكن خيراً مما كانت عليه سابقًا، بل كانت أكثر سوءاً، وأثرت على كل من يعيش في سوريا، حتى على النظام السوري ذاته، الذي عاش مراحل أكثر صعوبة منذ اندلاع الثورة السورية في بداية عام 2011 وحتى اللحظة. فهو يعيش حالة عزلة بشكل أو بآخر، وكثيرٌ من حلفاء الأمس أصبحوا أعداء اليوم، وليس الكلام هنا عن أسماء، بل عن طبقات اجتماعية خسرها وخسر ولاءها، ومن لم يخسره وقف على الحياد في ظل ما تشهده البلاد.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +