أشكال ألوان| شكراً سراقب

أشكال ألوان| شكراً سراقب

مرَّ عامٌ ونيف على اتصال الصديق تمام هنيدي، الذي أعلمني فيه أن راديو ألوان من سراقب سيفتتح ملحقًا وسيكون هو رئيس تحريره، وأنه يرغب بانضمامي إليهم ضمن فريق الكتاب. وافقت بكل حماسة، وجلست لأكتب مقالتي الأولى.


كنتُ قد افتتنتُ بما يكتب على جدران سراقب من غرافيتي، وكنت اجمع صورًا لكل ما كتب على «حيطان سراقب»، وحلمتُ بإنجاز فيلم عن الموضوع، إلى أن علمتُ أن فيلمًا قد أنجز بالفعل. وكانت سراقب تبدو لي كما كفرنبل، بقعة أمل تعدُ بتحقيق المستقبل الذي نحلم به، كان ثوارها المتمسكون بمبادئ الثورة في الحرية والكرامة برأيي ضمانةً لتحقيق سوريا المدنية التعددية الديمقراطية.
جلستُ أكتب مقالتي الأولى، فكرتُ، ما الذي يرغب شباب سراقب بسماعه مني؟ أنا التي نجوتُ وصرتُ في الخارج، واقتصرت مشاركتي في الثورة على رأيٍ وإيمانٍ بها؟ هل سينزعجون من وجودي في الخارج؟ هل سيقلل من شأن وتأثير ما اكتبه قلةُ تجاربي الثورية الفعلية؟ هل يهمهم أني فنانة وامرأة؟ هل يتوقعون مني الكتابة عن الفن أم عن الثورة؟ هل أكتبُ مقالات ذاتية أم حكايات من الثورة أم أكتب عن الفن الثوري؟ أسئلة كثيرة شغلتني، ولم أعد أعرف من أين أبدأ ولا كيف، فحاولت أن أترك الكتابة تقودني بدلَ أن أقودها، وكتبتُ مقالتي الأولى.


استمريتُ بالكتابة، وقلبي يملؤه القلق، مرت الأعداد، وأنا أكتب وأتذكر، أكتب وأستعيد الألم والتفاصيل كما أستعيدُ تلك الروح التي لا تقهر، روح الثورة الحقيقية، وبدأت التجربة تتحول شيئًا فشيئًا إلى حاجةٍ عميقة، وحتى إلى علاجٍ يفرّغ الألم مما مضى، من خلال مشاركته. وبذلك تحولت عملية كتابة المقالات إلى رحلة للتحرر من الآلام، ولاستكشاف الذات.


كانت كل مقالة جديدة، تحمل معها وقفة أمام الواقع الجديد، واقع الوجود في بلد جديد، واقع الحياة اليومية التي تذكّر دومًا بالبعد عن سوريا، واقع البحث عن التأقلم في محيط جديد وعالم مختلف لا يبدو مكترثًا بالطرف الآخر من العالم، ولكنها في الوقت نفسه، كانت تذكيرًا بأن كل ما مضى لم يكن حلمًا، بأن الثورة هي الحقيقة الوحيدة التي بقيت وستبقى رغم كل ما جرى، وبأن الأمل هو سبيلنا الوحيد لإبقاء هذه الحقيقة حيّةً ومستمرة.


لم تكن رحلة الاستكشاف تلك سهلة، بل إنها كانت في بعض الأحيان مضنية، لأنها كانت تعني بالضرورة كشف كل الجراح، وإعادة البحث فيها عن معنى، عن طريقة لمواساة الذات، أو حتى عن الأمل نفسه.


لا أعلم حتى اليوم إن كان ذلك البوح هو ما كان يجب أن أكتبه، وأتساءلُ دومًا، هل كانت هذه المقالات هي ما يتوقعه مني شباب سراقب؟ هل يقرؤون المقالات؟ هل يجدون فيها ما يواسيهم؟ هل يغضبون لأننا انفصلنا عن واقعهم؟ أم أنهم يتفهمون ما نحن فيه من شوقٍ وألم؟ هل يسامحون من نجى؟ هل يواسيهم أن من خرج يرى معاناتهم ويشاطرهم إياها؟ لا أمتلك إجابة شافية على كل تلك التساؤلات، ولكنني مدينة لهذه التجربة، بتحريري من جرعة الألم الذي كنتُ قد شعرت يومًا أنه حبيس قلبي، وأنني غير قادرة على مشاركته، كما أنني مدينة لملحق أشكال ألوان بإعادتي إلى الكتابة، التي ساعدتني على فهم نفسي من جديد.


أشعرُ أنني سأبقى ممتنة دومًا على تلك الرحلة التي خضتها خلال عامٍ من المشاركة في الملحق، لذا لا بد لي من القول: شكرًا سراقب، شكرًا لشبابها، وشكرًا لراديو ألوان وفريق الملحق، الذين أعادوني إلى إيماني المطلق بحقيقة واحدة هي عظمة ثورتنا، وإلى يقيني بإمكانية تحقيق حلم سوريا الحرة من كل أشكال الاستبداد، سوريا الديمقراطية والكرامة.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +