2015-09-11 01:01:28
تعودُ الذاكرةُ إلى يومِ الثامن عشر من آذار/مارس 2011، يومَ افتتحَ محمود الجوابرة وحسام عيّاش ورفاقهم في درعا قافلةَ شهداء الثورة السورية على نظامِ الأسد. يومها، وحينَ بدأت التغطيةُ الإعلاميّة للأحداث التي تردُ أنباؤها من الجنوب السوريّ، أُعيدَ إلى الأذهانِ صوتُ «فهد بلّان» الفخم في رائعته: عالبالِ بعدَك يا سهل حورانْ.
تشاءُ الانتفاضةُ أن تُرسّخَ الرّاحلَ في وعي السوريينَ وقسم كبيرٍ من العرب، في خانةِ «مطرب الرجولة»، وكأنّ استحقاقهُ للقبِ اكتملَ تماماً في تلكَ اللحظة.
ولد المطربُ الراحل في 22 آذار/مارس عام 1933 لأسرةٍ فقيرةٍ في قريةِ «الكَفر» جنوب شرق محافظة السويداء، وكأكثريةِ أهلِ تلك المنطقة عملَ مع والدِهِ في الزراعة، مع تمتعهِ ببنيةٍ جسمانيةٍ عامرة، وكانَ يُسلّي نفسهُ ويهوّن عليها أثناء العمل الشاق بأن يردّد أغنياتٍ من الموروث الشعبيّ في تلك المنطقة. لكنّ انفصالَ والديهِ فرضَ عليهِ الالتحاقَ بأمّهِ إلى الأردن حيثُ عملَ مرافقاً في أحدِ الباصات على طريقِ عمّان دمشق. ولم يلبث أن تقدّم لمسابقةٍ غنائية في دمشق أدّى خلالها أغنية الراحل فريد الأطرش «تطلع يا قمر بالليل»، حيثُ لفتَ الانتباه لتمتّعه بخامةٍ صوتية فذّة، وحضور وأداءٍ لافتين. عمل بعدها في كورَس الإذاعة السورية وقدّم أولى أغنياتهِ «آه يا قليبي» التي لحّنها الملحن الراحل «شاكر بريخان»، وأدّاها فهد بلان رفقةَ المغنيّة سحر.
وجاءت معرفة فهد بلّان بالملحّن الراحل «عبد الفتّاح سكّر» بمثابةِ نقطة انطلاقة صاروخية نحو النجومية، حيثُ تبنّى سكّر المطربَ الشاب، وتعاونَا معاً في مجموعةٍ من الأغاني نذكر منها: يا سالمة، واشرح لها، يا بنات المُكلّا، جسّ الطبيب، يا ساحر العينين.
كانت بيروت المحطة التالية لصاحب «لاركب حدّك يا الموتور»، حيثُ قدّمهُ نجيب حنكش في برنامج «ألوان»، ويعتبرُ حنكش أولَ من أطلق عليه لقب: مطرب الرجولة. وحقّق بلّان رواجاً كبيراً في لبنان آنذاك، مع مجموعة من الأغاني مثل: أنا صيّاد شارد في البراري. للملحن اللبناني نوري الملّاح. ومثّل في عددٍ من الأعمال السينمائية مع نجومِ ذلك العصر، مثل مريم فخر الدين (التي تزوّجها لاحقاً) في فيلم «فرسان الغرام». ومع النجمة صباح في فيلم «عقد اللولو» وأفلام أخرى.
ولما قرر فهد بلان التوجه إلى مصر التي كانت تعتبر عاصمة للفنون والغناء في العالم العربي، كان في جعبته مجموعة كبيرة من الأغنيات التي سبق وسجّلها في إذاعة دمشق، فتلقّفهُ عمالقة الفنّ في مصر، وتابعوا الطريق الذي بدأهُ عبد الفتاح سكّر معه. فلحّن لهُ الموسيقار بليغ حمدي: على كفّي، وبحر الهوى. وقال فيه الشيخ سيد مكاوي: «أنت تعطي فهد اللحن شجرة عارية، فتسمع منه اللحن مزهواً بأجمل الأثمار»
عادَ مطربُ «اللون الجديد والأداء الجديد» كما وصفتهُ أمّ كلثوم، إلى سوريا في سبعينيات القرن المنصرم، ليقضي بقيةَ حياته فيها، ويُنتجَ صحبة سعدو الذّيب مجموعةً لا تُنسى من الأغنيات التي ظلّت عالقةً في بالِ السوريين والعرب حتى اليوم. من أهمّها «غالي علينا يا جبل» و«عالبال بعدك يا سهل حوران».
اتّسمت شخصيّة فهد بلّان عدا عن القوة والصلابة، بالبساطة الريفية، لم يكن يجيدُ تنميقَ الكلام، ولم يتخلّ عن بيئته التي طبعت شخصيته بشكلٍ لافت، لا على المسرح ولا في المقابلات التلفزيونية ولا في الحياة عموماً. وحيكت نُكاتٌ كثيرة أكثرُها كانَ مُفبركاً عن الراحل.
توفي فهد بلان في شهر 12 عام 1997، إثرَ نزيفٍ دماغيّ مفاجئ، ليرحلَ عن محبّين لطالما اقترنَ في بالهم بالفرح والابتسامة، قبل أن تأتي الثورة السورية بعد وفاتهِ بأربعة عشر عاماً، وتصبحَ أغنية «سهل حوران» أيقونةً من أيقونات الثورة، وتُشرعنَ للراحلِ لقبهُ، مطرب الرجولة.
الوسوم