جوع قديم .. وأشياء تشبه الديمقراطية

جوع قديم .. وأشياء تشبه الديمقراطية

لا يُقلقك تركُ البابِ مفتوحاً هنا والخروج حافياً كأي قطٍ مُهجنٍ تم تدجينه بعناية, تنامُ على محفظةٍ مثخنة بذكرياتِ الصعلكة والتشرد التي تكفي للتفاخر بين الرفاق في اجتماع عابر, وإن كانت أغلب الاجتماعات هذه الأيام تتم عن طريق السكايب.


يضيق عليكَ أن تضع عنوانكَ حول رقبتك، ولكن السلامة العامة المملة تفرضُ عليك ذلك فتمشي في الممراتِ المتشابهة على الموكيت الخامل انتهاء إلى البوابة المخصية, من دون وجهةٍ أو خوفٍ من المبيتِ في شارعٍ أو حديقة، طالما أنّ ذكرياتك في جيبك والسماء صافية.


على كل حال أنتَ لا تتوقعُ سلامات تنهمرُ عليكَ كما تعودتَ لترفع حواجبك ومعنوياتك أو ضغط دمك أحياناً, أنتَ في أمانٍ عميقٍ كعتمةِ بطنِ الحوتِ في بطن المحيط.


تتأنق لنفسك، وتحرك عضلاتِ وجهك - كما يُنصح بين فترةٍ وأخرى - لنفسِكَ، وتدخلُ إلى الحمام كرماً لنفسك، وبتأفف كامل بعد أن تفاجأتَ بأن نظام التصريف يحرمك من المشاركة في صنع السماد.


أي خرابٍ هذا، وقلة مفهومية.


لا يُقلقك تركُ النوافذ مفتوحة، العصافير تعرف بأنك تضعُ الطعام لها بدافع الوحدة، وليس بدافع حسك العالي والمشاركة الدؤوبة في توفير زوادة أو صدقة, وهي تعرف بأنك لست من هواة جمع الصور النادرة, العصافير لا تُصادق الوحيدين هنا ولن تكسر طبعها في سبيل إزعاج وحدتك المنتظمة, من المؤسف أيضاً أن العصافير لن تُنبئك برزقة قادمة وإن اعتصرها المغص.


أيُّ عدمٍ هذا، وقلة مفهومية.


لا تخيفك عتمة شارع جانبي طويل تنمرتْ فوانيسه في  وجه عاثري الحظ ممن يمرون تحتها، محتقنة لأن أولاد الحارة ينامون مبكراً. لم يعد أحد يخيفها ولا حتى انقطاع الكهرباء النادر هنا. ولا يغريك الدخول إلى كراج مفتوح وأنت تدرك بأنك لن تجد حارساً يشرب الشاي ويتدفأ على نار تنكة.


المنفى وجود زجاجٍ بينك وبين العالم, لا أنت تصل إليه وتمسكُ بِخناقه، ولا العالم ينتظر عطاياك.


لا يشغلك الزجاج/الحواجز/الصمت، إنما ما تراه خلالها انعكاساتِ حيواتك السابقة, رفاقك السابقين وباب بيتكَ السابق الذي لملم تعبك وأخفاه عن عيون أمك. كل ظهيرة تعود لتأكل أكلتك المفضلة, ولكن قرون البامية هنا صغيرة، مخصية هي الأخرى بإقامة مؤقتة، فما المفضل فيها!


 انت رجل تعوّدَ على البامية التي تخزق عينَ الذي لا يصلي, تُثَـلِثُ أصابعك لتكوّر اللقمة وتدحرجها ومنذ أصبحتَ مدجناً لم تعد تثلث لقمتك.


منفاك هو بحثك المستمر في البلاد عن قرون بامية تحلف عليها، وتعزم عليها، وها أنت تكتفي بأن تحلم بها. رحمة الله على ما مضى, كلما ضاقتْ عليك الديمقراطية تُلقِمُ الكلاشينكوف بقرنٍ تقلبُ به الموازين لتصبح عادلة من جديد. غريبٌ كيف لم يتطور الفلكلور لمرحلة  يدخل فيه القرن الأخضر في اللباس التقليدي, لتشاهده بكل فخر على خصر كل رجل يعتد ويفتخر بمحصوله «الزوري», ولكن الخيالات لا تطعم خبزاً ولا بامية هنا، فأي قرون هامدة هذه، وأي قلة مفهومية.


لا يُقلقك ترك الباب مفتوحا «هنا»، والخروج حافياً كأي قطٍ مهجن تم تدجينه بعناية, ما يقلقك حقاً أن ديمقراطية العالم كله لن تسد ذاك الجوع القديم، ولن ترد الأصحاب الذين تعودت أن تخطط معهم أفضل الطرق لممارسة هذه الرياضة الخطيرة, مقارعة القرون الخضراء القاتلة.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +