«تخرّجت من برك الماء في قرية صلاخد. وأحمل شهادة من المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق»
كانت هذه الجملة، هي الصيغة التعريفية التي كان يطلقها الفنان والمخرج والكاتب الراحل «طلال نصر الدين» حينَ كان يُسألُ عن نفسه.
وعلى ما يتناقلهُ شفاهياً الذينَ عاصروا طلال نصر الدين «1957-2012»، فإن الراحل لم يكن مبالغاً في ذلك، فقد عُرف في بداياتهِ بائعاً للصبار في سوق الخضار في مدينة السويداء جنوب سوريا. وكواحدٍ من اليافعين الذين ينغمسونَ في السوق الشعبي، التزمَ بصفاتِ البطلجي، شكلاً ومضموناً، كما روى هو نفسه في أكثر من مناسبة. لكنّهُ انتفضَ وقرر تغيير حياته وإتمام دراسته، ودرسَ في المعهد العالي للفنون المسرحية وكانَ واحداً من خريجي أول دفعة للمعهد في سوريا، صحبة فنانين باتوا نجوماً كأيمن زيدان وجمال سليمان وسواهم.
انتسبَ الراحل لنقابة الفنانين عام 1982، وقدم للمسرح مخرجاً وممثلاً وكاتباً العشرات من الأعمال، وحازَ على العديد من الجوائز، ففي العام 1991 حاز على الجائزة الأولى للإبداع الأدبي في القاهرة عن نصّه «نبوخذ نصّر»، وعاد نفس النصّ وفاز بجائزة سعاد الصباح الأولى في الكويت عام ألفين، وحُجبت في العام نفسه الجائزة الثانية لاتساع الفارق بين مستواها ومستوى نصّ نبوخذ نصّر!
وفي العام 2002 فاز بالجائزة الثالثة لمنظمة اليونيسكو ووزارة الإعلام في سوريا عن سيناريو فيلم «ليلة قاسية جداً».
وحازت مسرحيته «الديك» على الجائزة الأولى للتمثيل في مهرجان عمان 2003، وعلى نفس الجائزة في مهرجان زيمين في إيران عام 2004.
ثمّ حاز على الجائزة الثانية للهيئة العربية للمسرح عن نصّه «الرجل الذي تحول إلى تشيخوف» عام 2010.
ولأنّ ما جرى مع الراحل في مأساة مرضهِ ليس أقلّ أهمية من أعماله الفنية، فإنّ من الواجب تسليط الضوء عليه هنا في هذه العجالة. فطلال الذي وقفَ في صفّ الناس مع بدايةِ ثورتهم ضدّ نظام الأسد، لم يكن استثناءً هو الآخر بأن حوربَ مثلما حوربَ كلّ السوريين، وكانت حرب حياةٍ أو موت كحالِ كلّ من قال لا في سوريا.
أصيبَ الرجل بسرطان الدم «اللوكيميا»، وبدأ يتلقى الجرعات الكيماوية في مجمع الشام الطبي، لكنّ نقابة الفنانين أخلت مسؤوليتها بعد انتهاء انتخابات النقابة، وأرسل إلى مشفى البيروني، وهو مكانٌ غيرُ مجهزٍ لاستقبال حالة كحالة الراحل. وتتالت الذرائعُ للتخلي عن الراحل، ولم تكن قصة «علوّ تكاليف علاجه» سوى حجةً مفضوحةً مضحكةً ومؤلمة مثل كلّ الذرائع التي يقدمها النظام السوري لتبرير إبادة المختلفين عنه ومعه.
أضربَ طلال نصر الدين عن تلقي العلاج الكيماوي، ثمّ أضربَ عن الطعام، وبمساعدة الأصدقاء انتقلَ إلى الدانمارك لتلقي العلاج، لكنّ المرضَ كانَ قد سلبَ منه ما لا يُستعاد، فأوصى الراحلُ بأن يعود ليموت ويُدفنَ في سوريا. وكانَ لهُ ما أراد. إذ فارق الحياة يوم الأحد 26 حزيران 2012. تاركاً السوريين يتابعون صراعاً لا يقلّ ضراوةً عن صراعه مع السرطان.
ولعلّ جملاً كثيرةً قالها الراحلُ تستحقّ التوقف عندها منذ مطلع الثورة، وقد لا تكونُ وصيّته لأبناء الجيش السوريّ أهمّها إذ طالبهم بــ «إخطاء أهدافهم .. وهذا أضعف الإيمان».