كنت يافعاً عندما قرأت كتاباً أثار حفيظتي بعنوان «تخلف العقلية العربية»، ذلك أنني كنت أرى (سامحني الله) أن التخلف سمة للمجتمع وليس للعقلية العربية. لم أصدق أن هناك من يصف العقلية العربية بالتخلف بهذا التطرف، غير أنّ الله مدّ في عمري لأكتشف –ويا للأسف- أننا بحاجة إلى مصّحٍ عقلي «مرستان». ولو أنّ قدرنا الطبيعيّ يماثل قدر دبب الباندا مثلاً، ونؤول إلى الانقراض كجنس بشريّ، فإنّ الأعداد القليلة منا يمكن أن توضع حتماً في معرض للزوار لالتقاط صورٍ تذكارية لنا، والحديث معنا وطرح الأسئلة، حيث سيحظون بإجابات مضحكة وأفكار لا يمكن لهم أن يتخيلوها، ويا للضحك!!
لقد نَمَت لدينا عقلية الكنز والكسب السهل، فقد تربينا على حكايات الجدات الأسطورية حيث الدجاجة التي تبيض ذهباً، والصياد الذي يصيد السمكة التي تبتلع اللؤلؤ وأرض الألماس، وسندريلا الفقيرة التي تتزوج الأمير الغني.
كذلك لا توجد منطقة إلا ويتحدث الناس فيها عن مصدر ثروة أحد الأغنياء الذي وجد جرة، أو تمثالاً من الذهب تحت شجرة التوت في بيت «أم خدّوج» طبعاً!
كلّ ذلك لم يمنعني إلى الآن وأنا أمشي في الأرض أن أتلفت يمنة ويسرة علّي أجد رزمة نقود أو قطعة ذهبية، رغم علمي ومعايشتي لندرة التعامل بالنقود الكاش في أوروبا!
ولا زالت الخدعة النيجيرية والجنوب أفريقية وما يماثلها تنطلي علي، وأنا المحامي الذي عملَ سبعة عشر عاماً وعاشر قصص النصب والاحتيال عن كثب. إذ لا زلت أصدق الإيميلات التي ترسل لي لتحويل مبلغ عشرين مليون دولار إلى حسابي من أميرة نيجيرية قضى والداها في حرب أهلية، وقد اختارتني من بين الملايين لثقتها في أمانتي!
أنا أيضاً أملك عقلية الكنز...
وقد أحلم أن أربح مليون دولار بلمح البصر، وبضغطة زرّ واحدة على الإنترنت!
لا غرابة، فقد تربينا على تصديق الخرافات والأساطير الدينية حيث يعود المهدي للظهور، ويقتل المؤمن جيوشاً من الكفرة بمساعدة السماء. وأبدع الصوفيون وغيرهم عندنا في إنتاج الروايات الخارقة عن المؤمنين السادة الذين يضربون أنفسهم بالسيف ولا يموتون، والذين يجعلون القش يمشي على الحائط ويجترحون المعجزات والأعاجيب، ولكنهم لا يستطيعون أن يطعموا أنفسهم! ولازال بيننا من يصدق أن مريداً ما كان يتحدث سبعين لغة بسبب حصى صغيرة كان قد تفل عليها أحد الأئمة وأهداه إياها ليضعها تحت لسانه، وينتظر أن تُرسل إليه ليرتاح من برنامج تعلم اللغة في السويد!
تربيّنا على مشاهدة الأفلام الهندية، حيث يكتشف البطل دائماً أن من يحبها هي أخته، وأن عمه هو خاله، وأن والد حبيبته هو مليونير شرير قتل أباه ثم سطا على ثروته، وأنه لا مناص من قتله ليرث البطل أموالاً طائلة. وكان إنتاج مسلسلات كمسلسلات أنزور الفنتازية وباب الحارة مهماً وناجعاً بدوره لمداعبة المشاعر الوطنية، ومداواة جراح أسر الشهداء الذين قضوا فداءاً للشام وأهل الشام!
لا يزال عقلنا الحالم ينجرف إلى تصديق الحكايا والخرافات بعيداً عن أي نقد أو تساؤل حولها، فيما لا يمكن للغربي إلا أن يثير العديد من التساؤلات والدراسات حول أتفه الأمور. إذ ليس يسيراً أن يتقبّل الإنسان الغربي شيئاً دون مناسبة، ذلك يُثير لديه الكثير من التساؤلات عن لماذا وكيف وما هو الهدف، بينما نمتاز كعرب بالشكر من دون مبالاة؛ ألم تسمعوا بالكرم؟!
وبالمقايسة مع سياسات الدول، فأنا شخصياً قد يبلغ بي الهبل أن أعتقد أن الولايات المتحدة وأوروبا مجرد جمعيات خيرية، كما تعتقد فصائل المعارضة السورية منذ بداية الثورة في سوريا حتى الآن، وفي كلٍّ خير!!
- See more at: http://alwan.fm/blog-item.php?id=51#sthash.skQ0Fx4Q.dpuf