إعلانات الخراب الملونة

إعلانات الخراب الملونة

لا تحتاج أن تأتي إلى مصر كي ترى الخراب بنفسك رؤية العين، أنصحك بمتابعة إعلاناتنا التلفزيونية، ستدرك على الفور أي خراب تركه مبارك، وأي أنقاض يبني عليها من خَلَفوه، سأحكي لك ثلاثة مقاطع من إعلاناتنا اليومية لتشاركني رؤية الخراب ملوناً، مصحوباً بالموسيقى، وبصور النجوم والمشاهير، والإنتاج التلفزيوني الضخم.


الإعلان الأول:


عمرو دياب نجم الغناء الشهير، يظهر في منتجع سكني وسياحي، محاطاً بالمولات والنساء الجميلات، وصالات الجيم، والمطاعم الفارهة، ثم يقفز في حمام سباحة أزرق وهو يبتسم لك. إذا أردت أن تغير حياتك، اختر المكان الصحيح، أنا اخترت المكان الصحيح، ويشرح لك معنى السعادة وهو يمد يديه على حافة المسبح لتحتل المشهد كله كتمساح استعمر النيل وحده، ينتهي الإعلان مذيلاً بأرقام تليفونات الحجز وأسعار الوحدات السكنية التي تبدأ بالملايين، وتتراوح بينها.


الإعلان الثاني:


يظهر شاب في منتصف العمر، يبلغه طبيبٌ بإصابته بالسرطان، يحاول أن يحصل على قرضٍ من بنك فيفشل، ثم يعرض سيارته للبيع، ويستمر في رحلة البحث عن تكاليف العلاج، ندعوكم للتبرع لإنشاء معهد الأورام الجديد، يقدم العلاج بالمجان لكل المحتاجين من كل الأعمار.


  الإعلان الثالث:


منتج بسكويت جديد، شاب وعجوز في حوار الطرشان، يحاول الشاب أن يشرح للعجوز مزايا البسكويت، يرفع العجوز صوته، يقول إنه يعرفه، كان منتشرًا على أيامه، كان سعره عشرة قروش، يستمر الشاب في التوضيح، العجوز لا يسمع، يرفع صوته حتى يغطي على صوت الشاب، ثم يتحسر على الجيل الجديد الذي يدفع جنيهاً في هذا المنتج، بينما كان يدفع هو عشرة قروش فقط.


 تكشف الإعلانات الثلاثة، عن بلاد كثيرة تتشارك رقعة أرض واحدة، في الأولى أرض الأغنياء، تشغلهم تجهيزات صالة الجيم، بقدر ما يشغل مواطنو الدولة الثانية البحثُ عن سريرٍ لموتٍ آمن في مستشفيات الحكومة.


بلاد لا يدفع أغنيائها ضرائبهم، فيبحث الفقراء عمن يسدد لهم مصاريف العلاج، وترفع الدولة يدها عن كل شيء، لا الضرائب تخصها، ولا المستشفيات تعنيها، دولة غائبة تكتفي بالحياد، لا تلوث يدها بالتصفيق لغنيّ يدفع، ولا تشد على كتف فقير ينتظر، دولة نائمة، تشد غطائها على وجهها، تغطي عينيها كل ليلة، لا ترى، ولا يبين لها نهار.


الإعلان الثالث ، كاشف وفارق، في بلادي خناقة يومية بين جيل قديم لا يسمع، وجيل يبحث عمن يسمعه، جيل يمتلك الحقيقة وحده، يتحسر على زمنه الجميل، وأيام القيم والأخلاق، زمن الاستقرار والنعيم، قبل أن نهدم كل ذلك بثورة ماتت كمدًا في حوار الطرشان.


دولة مقسمة، لكل منّا فيها بلاده، نتقابل صدفة في الممرات، أو أمام صناديق الاقتراع، يخرج لنا العجائز ألسنتهم، يأتون بمن لا نحب ولا نرضى، يرسمون ابتسامة صفراء، يقولون الاستقرار.


نكسب جميعاً دولة مستقرة، تثبّت على الأرض أرجلها الأمامية لا تتحرك نحو المستقبل أبدًا، ترفع ساقيها الخلفيتين، تعدو بسرعة نحو الخلف.


نشاهدها نحن في إعلانات التلفزيون وصفحات الانترنت، نتحسر، نضحك، نبكي، ليس هناك مشاعر مناسبة.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +