الحرب الباردة على خشبات المسرح السوري

الحرب الباردة على خشبات المسرح السوري

أيام قليلة من الدوام في المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق، كانت كفيلةً بتحويل جميع أحلامي الوردية إلى أحلام خضراء بلون باص النقل الداخلي.


لا يمكننا طبعاً أن نعتبر أزمة المواصلات مأخذاً على المعهد العالي باعتباره بوابة للمسرح في سورية، لكن يحسب عليه أنه لم ينجح بإعادة أحلام طلابه إلى نصابها الطبيعي، وأغلق السبل أمام أي محاولة لإدخال هذه الأحلام إلى غرفة الإنعاش.


هنا نكتشف أزمة مواصلات من نوع آخر، أو بالأحرى أزمة تواصل.


فما إن تدخل من البناء المعماري للمعهد والذي يعتمد شكلاً أشبه بالمثلثات معطياً إياه تميزاً لافتاً في ساحة الأمويين، حتى تكتشف ضيق استديوهاته وضعف تجهيز قاعاته وقلّتها.


 ويذكر أن طلاب السنة الرابعة من قسم الدراسات لهذا العام لم يكن لديهم قاعة مخصصة للمحاضرات، أي أنهم كانوا نهباً للأروقة.


هكذا يبدأ الخطاب البصري المخادع لهذه الأكاديمية من شكل بنائها المبهرج الأشبه بطعم للصيد، إذ يحتوي بين جدرانه على هذا النوع من الفخاخ.


علماً بأن وزارة الثقافة التي يتبع لها المعهد، رفضت رفع ميزانيته وتحسين أوضاعه في لقاءٍ جمع بين الطلاب والوزير في المسرح الإيطالي، حيث علق الأخير على هذه الاحتياجات قائلاً:


«رجالنا على الجبال وفي ساحات الوغى أولى بالميزانية كونهم يدافعون عنا».


هذا الشخص نفسه وافق لاحقاً على تمويل عرض أوبرا بتكلفة أربعين مليون ليرة سورية بينما ترك «رجالنا» فريسة للجوع.


هذه التكلفة على الورق بالطبع، وحسب مخرجين من داخل المسرح القومي فإن الميزانية خيالية، ولا يحتاج عرض استمر لمدة ثلاثة أيام فقط، ووُصِف من قبل المشاهدين على أنه الأردأ،إلى كل هذه التكاليف.


أعتقد شخصياً أن الحجم الصغير للعملة الجديدة يتناسب طرداً مع سهولة الرشوة أمام أرقام مهولة كهذه.


ناهيك عن تدخل الوزارات الأخرى بالمعهد، حيث تفرض عليه وزارة التعليم العالي إجراء امتحانات فصلية لتحديد مستوى الطلاب، وهذا ما يخالف أهداف المعهد في إعداد باحث أكاديمي يعتمد على التجربة والاستنتاج أكثر من اعتماده على الحفظ وتكرار المعلومات كآلة.


فباستطاعة المسجلة أن تعيد كل أسماء الكتب في العالم، لكنها لا تستطيع أن تعطي رأياً، وإلا لقلنا عن هذا الاختراع إنه مثقف أو فنان، هذا ما يحاولون فعله هنا، دفعنا للحد الذي يمكننا معه أن نستبدل مثقفينا بالمسجلات.


وفي الوقت ذاته التي تفرض فيه هذه الوزارة شروطها على المعهد، تتخلى عن واجباتها في تأمين سكن جامعي لطلابه القادمين من محافظات أخرى على اعتباره المعهد الأكاديمي الوحيد في سورية.


أما الإدارة فيُشهد لها بالفساد على مر سنوات طويلة، وبالمزاجية في قبول الطلاب المتقدمين، وباعتماد العلاقات الشخصية عوضاً عن نظامها الداخلي، وتكفي سوية العروض المسرحية التي تُقدم على خشبات المعهد، وسيطرة بعض الأسماء عليها من بين جميع خريجيه، لتكون دليلاً على هذا.


تكتفي هذه الإدارة الضعيفة الشخصية أمام سلطة الوزارات الأخرى بفرض الدوام الإلزامي على طلابها، وحرمان المخلّين به من تقديم امتحاناتهم من دون أي مراعاة لظروفهم، مكرسة بذلك الشروط المفروضة عليها مسبقاً.


كل هذه المعطيات تنعكس بشكل أو بآخر على تلقي الجمهور للعرض المسرحي، حيث صار يتعامل معه بتطرف كتعامله مع الحرب، فهو إما موالٍ بشدة لكل ما يُعرض أمامه، وإما معارض فاقدٌ للثقة بأي محاولة.


هكذا نجد أن الجدار الهلامي الفاصل بين المعهد العالي وواقع الفساد والحرب في سورية هشٌّ للغاية، فالجرائم المرتكبة بحق الأرواح خارجه لها معادل من جرائم مماثلة مرتكبة بحق العقول داخله.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +