خُلقَ ليُكره

خُلقَ ليُكره

كانت وما تزال مفارقة غريبة. كاتب صحفي مصري من مؤيدي انقلاب 2013، درّب في إحدى ورشات غازي عنتاب الإعلامية قبل ما يقرب من عام، طالما أكد أن سوء فهم كبيراً، يعتري تصور الرأي العام في الثورة السورية، تجاه شخص عبد الفتاح السيسي، ودائماً أحال إلى مقالة له عنونها هكذا: «لماذا تكره الثورة السورية السيسي؟».


الصحفي، واسمه ياسر عبد العزيز، ليس أبداً نشازاً، على العكس هو يمثل قطاعاً عريضاً من المثقفين الوطنيين في مصر، دأبوا بروح نضالية مبالغ فيها، على تجذير كراهية الإسلام السياسي في المجتمع المصري خلال الأعوام الأخيرة، وتجذير تيار شعبي مناهض لحكومة الإخوان المسلمين، وصولاً إلى مظاهرات 30 يونيو والانقلاب السريع بعد أيام.


وعبد الفتاح السيسي، «هو ما هو»، حسب تعبير العربية القديمة: الشخص الذي راج في مصر قبل سقوط مبارك، أنه المرشح الأول لدى الأميركيين لوزارة الدفاع، كضابطٍ طموحٍ تربى في المدارس العسكرية الأميركية في عهد التعاون العسكري بعد اتفاقية السلام. لاحقاً وفعلاً، كان السيسي هو الاختيار الذي فرضه المجلس العسكري المشؤوم على حكومة الإخوان وزيراً للدفاع. سمعة المجلس العسكري ليست أبداً مما يفخر الجيش به في مصر، فهو مسؤول عن المرحلة الأكثر وحشية بعد الثورة، لجهة عدد ونوع جرائم العنف التي ارتكبتها أجهزة الدولة ضد مواطنين.


دع عنك وضع السيسي كعسكري انقلابي آخر في هذا الشرق التعيس، أطاح بديمقراطية مصر الوليدة، والإنجاز الجمهوري المتعلق بتمكين مدنيٍ لأول مرة في تاريخ الجمهورية من مقعد الرئاسة. السيسي أيضاً وأيضاً، وبوجود آلاف الشبان المختفين قسراً في السجون المصرية اليوم، ومئات القتلى المدنيين خلال ساعات في مجازر رابعة العدوية والنهضة، ومع مزاج فاشيٍ مقزز أشاعه نظامه، كارهٌ للأجانب، عسكريٌ تمجيدي رخيص، ومضطهدٌ للأقليات، إذ توثق التقارير الحقوقية المستقلة ارتفاعاً في عنف أجهزة الشرطة والأمن و«الأهالي» بحق طيف واسع من الفئات المتعارضة مع السياسات الفلولية الجديدة، من الشباب الثوريين الذين يعملون كناشطين مستقلين، أو ناشطي الأحزاب والحركات الثورية، والإسلاميين، والمثليين والشيعة والملحدين، سواء بسواء، وعلى الشبهة أحياناً كثيرة، خلال وبعد العام 2014.


السيسي رمزٌ لعصرِ رعبٍ ظنه كثيرون انتهى بلا رجعة بعد ثورة 25 يناير، يضاف إلى ذلك حظه القليل من الكاريزما، والزيف البليد المبتسم الذي يعلو وجهه، وصفاقة أسلوبه التحريضي. هذا الشخص هو في أكثر الصيَّغ لباقةً، رجلٌ خُلِقَ ليُكره، خُلِقَ ليكون أمثولة، بينما يوجد بين منحبكجيته، من يرتاح إلى التساؤل البريء، لماذا تكره الثورة السورية السيسي.


حسناً، لأنه قاتل جماعي، مثلاً، بين أسباب كثيرة أخرى، معظمها يندرج تحت تصنيف الجريمة الصرف.


لكن ذلك السؤال الغريب، ليس أبعد ما آل إليه هذا الحب المختلّ. فَعَقِبَ كثيرٍ من الكلام ووجع القلب حول عدد الضحايا وحقيقة ما حدث في مجزرتي رابعة العدوية والنهضة ومجزرة الحرس الجمهوري –وهي مواقع مختلفة أطلق فيها الجيش والأمن المصري النار على نطاق واسع، باتجاه مظاهرات داعمة للإخوان المسلمين بعد الانقلاب- أكد عبد العزيز في حديثٍ شخصي، أن إجماع الأمة المصرية –سماه هكذا- هو من فوض الجيش المصري بصورة واضحة، وفي حراك «تاريخي»، بإسقاط حكم الإخوان. تقريباً، يقول عبد العزيز، ويقول بهذا الرأي كثيرون، بالمناسبة، في مصر والعالم العربي: إن «إجماع الأمة» هو من أعطى الضوء الأخضر لقتل مئات المدنيين بسبب تأييدهم لحزبٍ سياسي. قتل مؤيدي الإخوان كان إرادة شعبية إذن، الأمر الذي، لربما، يجعل محكمة الضمير لدى كثيرين، غير ذات اختصاص.


ما عليك إذن إلا أن تثبت أن جميع المصريين عدا من ماتوا في هذه المجازر، أرادوا أن يحدث ما حدث، ليكون لك أن تقول بعدها، مبتسماً لهيبة التاريخ وهو يعبر أمامك، إن من لديه مشكلة فمشكلته مع الشعب.


كذلك الأمر في سوريا اليوم، لا يمكن قول شيء حيال من يؤكد أن الله، هو من قطع كل هذه الرؤوس والأيدي، وألقى بكل هذه الأجساد من حالق، وأعدم رجالاً بتهمة السحر، وخنق النساء تعيسات الحظ تحت حجارة الراجمين.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +