عن السرد، والزيجات المدبرة

عن السرد، والزيجات المدبرة

لن أسألك إنْ كنتَ تتذكرهم، أساتذتك في المدرسة، لا أشكُ بأنكَ استذكرت ما أحدثتموه، أنت ورفاقك، من قصص كثيرة. تضحكُ على ما اغتنمتموه دون أن تقعوا في فخ الانكشاف، ناهيك عن ذهابك بعيداً في إعادة إحياء سِبابهم الأجمل، ليس من الناحية الفنية أو الإبداع الشوارعي، وتأثير الشتيمة فيكَ لتصبح أفضل في دراستك، في حضورك، بل على الأكثر لتصبح أفضل في «سوئك» كي لا تقع ضحية الانكشاف والشتم مرة أخرى.


ما أريد قوله أن رؤية روايتهم، جعلتكَ تختار دورك في روايتك.


إذا استطعتَ استحضارَ مثل تلك المشاهد، فهذا يعني أنك محظوظٌ لكونك تمتلك شيئاً تسترجعه، تحنّ إليه، وترويه لأولادك ليدركوا عندما يقاربون حاضرهم مع ماضيك بأنكَ طفلٌ كبير معبأ في بنطلونٍ طويل، ولستَ صنماً يخيفهم مع كل هفوة، وليدركوا أيضاً بأنك إنسانٌ أتيتَ من المكان نفسه الذي أتوا هم منه.


تخيّلْ فرحةَ الأطفال الآن، وهُمْ يشاهدون ربَّ العائلة ينزفُ ذكرياتٍ براقة.


يكمن في الزواج المدبَّر عن طريق العائلة كثيرٌ من الوصاية والاتكالية، إذا نجحَ كان خيراً، وإذا فشلَ فإن هذا الفشل يتقاسمه صاحب الاختيار والمنصاع له، هذا إن لم يتحمله الأول فقط.


بالتأكيد اختيار والدي لوالدتي، ووقوعه في حبها من بين الموجودات في كلية الآداب، أو على وجه الدقة، من بين الموجودات في ما يُعرف بسفينة الحب في حلب سنة 1979 كان له أثرٌ كبيرٌ على ما سيجري في حياتي، وعلى الكيفية التي سأختار فيها أنا من سأحب، وعلى الكيفية التي سأكتب فيها عن ما كان وعن ما  سيكون.


بطريقة مشابهة، أستنتجُ لماذا يكسر الطفل لعبته التي لم يخترها بنفسه وقتما يقدمها أهله له في سنواته المبكرة جداً، بينما يحافظ بكل اتزانٍ على مقتنياته التالية التي فرَدَ عليها جناح خياره. لا أشبِّهُ الزواج باللعبة بالطبع، إنما أقارنُ بين الاختيار والعهدة المعطاة بتغييبِ الخيارات الأخرى، بدا ذلك واضحاً لي في الفترة الأخيرة.


ما أريدُ قوله إن الحياة كلها كومة من الأزواج والزيجات، مدبرة ومختارة:


التفريط بإيمانك بإله موروث فحسب، أسهل من إهمالِ إلهٍ منتخب.


التفريط باحترام رئيس مُنَصّبْ، أسهل من إهمال رئيسٍ منتخب.


وإن كان فقدان الاحترام لا يعني تواري الرئيس اللحظي، ستستدرك ذلك بعد خمس سنوات من الثورة.


التفريط بزوجة مصممة مسبقاً ومختارة بالنيابة أسهل أيضاً، حتى أنك تستطيع التفريط بهلا ثلاث مرات، بينما الحبيبة المختارة لن تقدر على كسبها إلا مرةً واحدة، وفقدانها مرةً واحدة.


 ما أريد أن أقوله أنّ السرد شائكٌ حقاً، ممتع حقاً، ويستحق منك المغامرة والمقامرة، ولكن باختيارك أنت.


جمالية كلٍ من الرواية ببدايتها ونهايتها، التاريخ بأسبابه ونتائجه، العائلة بلقائها وامتدادها، بطولات المدرسة،  تقع على عاتق الراوي، وكي تكون أفضل عليكَ أن تروي تلك على مسامع طفلٍ من اختيارك أنت، ليستطيع هو بدوره اختيار الرواية التي سيخلِّفها وراءَهُ بلونٍ مناسب، وفي اتجاه لا غبار عليه.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +