آب الأسود، هكذا يمضى شهر آب على السوريين، إذ تتوالى المجازر التي يرتكبها طيران النظام في مختلف المدن السورية.
تمَّ توثيق أكثر من ثلاثمئة وثمانين ضحية هذا الأسبوع، كان لمدينة دوما في ريف دمشق النصيب الأكبر منها، إذ ودَّعت المدينةُ أكثر من مئة شخص من أبنائها المحاصرين في يوم واحد، وذلك في مجزرة ارتكبتها طائرات النظام بعد استهدافها أحد الأسواق الشعبية في بالصواريخ الموجهة، وجاء ذلك في أعقاب انهيار هدنة الزبداني، فيما لا تزال المدينة تحت نيران طيران النظام في غارات متقطعة حتى لحظة إعداد هذا التقرير، وهو ما دفعَ المجلس المحلي فيها إلى إعلانها «مدينةً منكوبة».
وفي الوقت الذي كانت فيه طائرات النظام ترتكب المجزرة، التقى ستيفن أوبراين وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية وزيرَ خارجية حكومة النظام وليد المعلم في دمشق، لتنسيق التعاون بينهما بهدف توزيع المساعدات الإنسانية عبر النظام، الذي يفرض حصاراً خانقاً منذ أكثر من ثلاث سنوات على جنوب دمشق!
لم تكن باقي مدن وبلدات الريف الدمشقي أحسن حالاً، حيث ارتكب طيران النظام مجزرةً أخرى في مدينة حرستا باستهداف مكاتب الفعاليات المدنية في المدينة، مخلفاً اثنتي عشرة ضحية. واستهدفت طائرات النظام الحربية مدينة عربين بأكثر من اثنتي عشرة غارةً جويةً بغاز الكلور السام، سقطَ جراءها ضحايا وجرحى من المدنيين.
وكان تقريرٌ صادرٌ عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وحمل عنوان «الغازات السامة في سوريا.. خروقٌ بلا حدود»، قد أشارَ إلى خروقاتِ قوات النظام لقراري مجلس الأمن، القرار 2118 والقرار 2209، المتعلقين بتفكيك ترسانة الأسد الكيمائية واستخدام غاز الكلور، وجاء هذا التقرير في وقتٍ تبنى فيه مجلس الأمن الدولي القرار 2235، والذي يقضي بالتحقيق حول المسؤولين عن الهجمات الكيميائية في سورية، واتخاذ إجراءات بحقهم.
في درعا، تمكنت قوات المعارضة من السيطرة على تل الزعتر، وبلدة التبة ضمن معركة عاصفة الجنوب. أما في وسط البلاد، فقد استمر قصف طيران النظام على مدينة تدمر في ريف حمص، التي شهدت هذا الأسبوع إعدام مدير آثار ومتاحف تدمر السابق خالد الأسعد على يد تنظيم الدولة، الذي سيطر على منطقة الدوّة.
في حماة، استهدفت قوات المعارضة بصواريخ الغراد بلدتي عين سليمو وجورين بسهل الغاب، ومدينة محردة، رداً على أحداث سجن حماة المركزي. وكان المعتقلون في سجن حماه المركزي، قد سيطروا على مفرزة الأمن داخل السجن، فأطلقت قوات النظام الرصاص الحي والقنابل الدخانية والقنابل المسيلة للدموع داخل السجن؛ ما أدى لوقوع 45 حالة اختناق في صفوف المعتقلين.
في حلب، تمكنت قوات المعارضة من السيطرة على قرى مزرعة، والخربة، ومعمل الغاز، ودوار الصاخور، ومبنى الإطفائية شرق حلب، وقرية الوحشية، ونقاط عدة في حي سيف الدولة. أما في ريف أدلب، فقد نفذت طائرات النظام غاراتٍ على قريتي الموزرة وسجنة مخلِّفةً سبعَ عشرة ضحية، فيما واصلت قوات المعارضة قصفها لمواقع قوات النظام في بلدتي كفريا والفوعة.
ألقى انهيار الهدنة في الزبداني، ودموية الأسبوع المنصرم، بظلاله على المواقف السياسية الإقليمية والدولية، حيث دعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مخاطباً أعضاء وفد لجنة المتابعة لمؤتمر القاهرة 2 برئاسة هيثم مناع، إلى تكثيف الجهود الدولية باتجاه التسوية السياسية على أساس بيان جنيف.
وفي سياق متصل، أفادت وكالات أنباءٍ نقلاً عن مصادر فرنسية رسمية، أن روسيا تريد التأكد من ثلاث نقاط جوهرية، قبل الذهاب إلى الحل السياسي، وهي أن يكون الأسد بمنأى عن الملاحقات القضائية، وتوافر ضماناتٍ «كافية» بالمحافظة على مصالح موسكو، والإبقاء على بنى الدولة الإدارية والعسكرية والأمنية في سوريا.
أيضاً توالت الإدانات الدولية لمجزرة دوما، حيث عبّر مجلس الأمن الدولي عن «جزعه الشديد» من تحول الأزمة السورية إلى أكبر أزمة لحالات الطوارئ الإنسانية في العالم اليوم، وأصدر بياناً رئاسياً دعا فيه إلى إطلاق عمليةٍ تؤدي إلى الانتقال السياسي، في خطةٍ تبنتها للمرة الأولى خلال عامين الدولُ الأعضاء في المجلس، بما فيها روسيا.
وكان الائتلاف الوطني قد دعا مجلس الأمن إلى إدانة مجزرة دوما، وعقدِ جلسةٍ طارئة لمناقشة اتخاذ التدابير اللازمة لحماية المدنيين. من جانبه، أدان المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا القصف الجوي على سوق بلدة دوما، تزامناً مع تصريحات المتحدث باسم الخارجية الأميركية جون كيربي التي قال فيها إن هذه الأعمال «تبين استخفاف نظام الأسد بالحياة البشرية»، وفقدان الأسد شرعيةَ الحكم.
ويأتي وجود دمشق في ذيل ترتيب التقرير المتعلق بنوعية الحياة للعام 2015، الذي أعدته شركة «ذي ايكونوميست انتليجنس يونيت» البريطانية، ليعكسَ واقع الحياة المأساوي نتيجةَ الحرب التي تعصف بالبلاد منذ خمس سنوات، بحسب ما أظهرَ تصنيفٌ عالميٌ يشمل مئةً وأربعين دولة.