يبدو المقطعُ السابقُ المأخوذُ من قصيدة للشاعر «محمود درويش»، مناسباً تماماً لبداية الحديثِ عن الشهيد الدكتور «خالد الأسعد»، عالم الآثار السوريّ التدمريّ الذي أُعدمَ قبل أيام على يدِ عناصر من «تنظيم الدولة الإسلامية». مع استثناء الجملة الأخيرة من المقطع، إذ يصعبُ اليومَ إيجادُ سوريّ يمتلكُ ترف زراعة الأشجار والغناء عن الحبّ!
فالسوريونَ لم يكادوا يستيقظوا من هولِ الصدمة التي خلّفها طيرانُ الأسد عليهم بعد مذبحة دوما، حتى جاءتهم صورُ إعدام الدكتور الأسعد. الرجلُ الذي ساهمَ إعدامُهُ الوحشيّ بأن يكونَ محور اهتمام وبحث العديد من السوريين والمهتمين بالشأن السوريّ، في مفارقةٍ مؤلمةٍ، على الرغمِ من أنها لا تُعتبرُ استثناءاً في سوريا البعث، التي لا يُعرفُ مبدعوها إلا بعدَ وفاتهم!.
ولدَ الدكتور «خالد الأسعد» في 1 كانون الثاني 1934، بالقرب من «معبد بل» الأثري. درسَ المرحلة الابتدائية في تدمر، وبدأ حياته السياسية عام 1954 بانضمامه لحزب البعث العربي الاشتراكي. قبل أن ينتقلَ إلى دمشق ويُتمّ دراسته فيها بحصولهِ على إجازةٍ في التاريخ ودبلوم في التربية. وانتقلَ إلى الحياةِ العملية عام 1963 كمديرٍ للآثار والمتاحف في تدمر، متأثراً بمقولة الفيلسوف اليوناني «شيشرون»: من لا يعرف التاريخ، يبقى طفلاً أبد الدهر.
دفعهُ هذا الاهتمام بالآثار والتاريخ إلى تعلّم اللغة الآرامية، ليبدأ عهدهُ مع ترجمة نصوصها المُكتشفة مع اللُّقى والمُكتشفات في العام 1980.
ليسَ يسيراً استعراضُ مُنجزِ الدكتور«خالد الأسعد» في هذه العجالةِ التعريفية، نظراً للزخمِ والغزارة التي يتميّزُ بهما هذا المُنجز، ولكنّ من الواجبِ التذكير بأنّ الراحلَ قدّمَ ما يزيدُ عن عشرينَ مؤلفاً في حياته للمهتمين بالأركيولوجيا مثل:
«مرحباً بكم في تدمر: الدليل السياحي الأول عن تدمر»، مع عبيد طه، ونُشر بخمس لغات، 1966م. «قصر الحير الشرقي: مدينة في الصحراء»، بالانكليزية بالتعاون مع البعثة الأمريكية في تدمر وجامعة ميتشيغان، 1978م. «تدمر أثرياً وتاريخياً وسياحياً»، مع الدكتور عدنان البني، نُشر بست لغات، 1984 م. «المدفن رقم 36»، بالتعاون مع أندرياس شميدت كولينيه من البعثة الألمانية في تدمر وجامعة فيينا، باللغة الألمانية، 1994م. «سورية في العهد البيزنطي والإسلامي»، مشاركة في الإعداد، صدر بالألمانية في ألمانيا والنمسا، 1993م. «المنحوتات التدمرية»، بالمشاركة مع آنا سادورسكا وعدنان البني بالتعاون مع البعثة البولونية، باللغة الفرنيسة، 1994 م. «الكتابات التدمرية واليونانية واللاتينية في متحف تدمر»، بالمشاركة مع ميشيل غافليكوفسكي، باللغة الانكليزية، 1997م. «دراسة أقمشة المحنطات والمقالع التدمرية»، بالمشاركة مع أندرياس شميدت كولينيه، باللغة الألمانية، 2000م. «أهم الكتابات التدمرية في تدمر والعالم»، بالمشاركة مع جان بابتيست يون، باللغة الفرنسية، 2001م. «آغورا تدمر»، بالمشاركة مع جاكلين دنزر وكريتيان دلبلاس، باللغة الفرنسية، 2005م. «زنوبيا ملكة تدمر والشرق»، بالمشاركة مع أوفه ويدبرغ هانس، باللغا العربية والفرنسية والإنكليزية، 2006م.
كما يُعدّ الراحلُ مكتشف منحوتة حسناء تدمر، التي عثَر عليها عام 1988، وكذلك مدفن أسرة بولحا بن نبو شوري، ومدفن أسرة زبد عته، ومدفن بورفا وبولحا، ومدفن طيبول.
وفي متابعةٍ لسيرتِه، يبدو لنا جليّاً سبب عدم معرفة السوريين الكبيرة بقامة كقامة الدكتور الأسعد، إذ لا نجدُ بينَ صفحاتِها تكريماً سورياً، بينما نجدُ وسام استحقاقٍ برتبة فارس، من رئيس الجمهورية الفرنسية. وآخر مثله من رئيس جمهورية بولونيا، وثالث مماثل أيضاً من رئيس الجمهورية التونسية.
مثل كثير من السوريين قُتل الدكتور الأسعد في مدينته التي أحبّها وأخلصَ لها، بصورةٍ إجراميةٍ بشعة. ولكنّهُ، ولحسن حظهِ ربّما، كانَ محطّ إجماعٍ من قبلَ كلّ الأطراف في العالم، وأدينَ اغتيالُهُ... مثل قلّة من السوريين!