ممدوح عدوان ... سوريٌّ بإسمينِ وصفاتٍ كثيرة

ممدوح عدوان ... سوريٌّ بإسمينِ وصفاتٍ كثيرة

ليسوا كثرًا في سوريا وربما في العالم العربيّ عموماً أولئكَ المبدعون الذين قد تعجزُ عن إطلاقِ صفةٍ تسبقُ اسمهم، تعريفًا أو تشريفًا. بسهولةٍ تستطيعُ القول إنّ فلاناً شاعرٌ، مسرحيٌّ، روائيّ، سيناريست، صحافيّ... إلخ


لكنّك تتوقّفُ طويلًا أمام اسمِ ممدوح عدوان، عاجزًا عن إطلاقِ الصفة. فقد كانَ كلّ أولئك معًا. وإذا كنتَ تستطيعُ اختصارَ كلّ الصفات السابقة بصفةٍ وحيدةٍ ظانًا أنك تستطيعُ إحراجَ ممدوح وإدراجهُ تحتها، بأن تقول: كاتب. يعودُ ممدوح ويخذلك ليقول لك: ومترجمٌ أيضًا!


فالرجلُ الذي ولدَ في بلدة «قيرون» في مصياف التابعة لمحافظة حماه في الوسط السوريّ عام 1941، حملَ اختلافه وتعدّده منذُ مطالعه، فقد حظي بدايةً وقبلَ الصفاتِ الكثيرة اللاحقة، باسمين اثنين، أحدهما مسجلٌ في الوثائق وينادى بهِ في قريته ومحيطه، والآخر اسمُه الذي اشتُهرَ بهِ لاحقاً.


وكأنّ هذا اللغط منذُ بدايةِ حياته كانَ الطريقَ الشاقة التي سيسيرها لاحقاً طوال حياته ليحافظَ على تعدّدهِ. فقد حملَ إجازة في اللغة الإنكليزية، وبدأ ينشر قصائده الأولى في مجلة الآداب اللبنانية وسواها عام 1964. ولكنّ التعدد الذي أرادهُ ممدوح، فرض عليهِ التوغّل الأفقيّ في الأدب، فكانَ من أولئك النادرين الذين يحق لك القول فيهم إنّهم «يشتغلون في الأدب». 26 مسرحية، 20 مجموعة شعرية، 25 كتاباً مترجماً، روايتان، عشرون سيناريو لمسلسلات تلفزيونية، وخمسةُ كتبٍ أخرى في النثر. كلّ هذا الإنتاج، وأعدادٌ هائلة من المقالات الصحفية، دلائل على القولِ السابقِ لجهةِ اشتغاله بالثقافة. ما يجعلُ السؤالَ محقاً، كيف يستطيعُ رجل عاشَ ثلاثةً وستين عاماً أن يُنتج 78 كتاباً بين شعرٍ ومسرحٍ ونثرٍ وروايةٍ وسيناريو؟!


ومما لا شكّ فيهِ أن الوصفَ الأدقّ، والذي يمكنُ أن يكون جوابًا على التساؤل المُستهجِن السابق، قد جاءَ في سياقِ المرثيّة البكائية التي كتبها الراحل «محمود درويش» في صديقه، وقرأها في تأبينهِ في دمشق، إذ قال في السياق:


«كم حيَّرني فيك انشقاق طاقاتك الإبداعية عن مسار التخصّص، كعازفٍ يحتار في أية آلة موسيقية يتلألأ. لم أقل لك إن واحداً منك يكفي لتكون عشيرة نحلٍ تمنح العسل السوري مذاق المتعة الحارق. بحثتَ عن الفريد في الكثير، من دون أن تعلم أن الفريد هو أنت. وأنت أمامك بين يديك. ألا ترى اليك، أم وجدت نفسك أصفى في تعددها، يا صديقي المفرط في التشظي ككوكبٍ يتكون».


نعم، ولكنّ مُبدعَ «الزير سالم»، على انشغالاته الكثيرة، و«تشظّيه» الكوكبيّ في الثقافة والفكر وشؤونهما، لم يكن بعيداً عن الناسِ طوال حياته، أي أنّهُ استطاعَ الحفاظ على إنسانيته والتصاقهِ بهمومهم عكسَ كثيرينَ ممن جايلوه، لم يعلُ عليهم، كانوا ملهمينَ وأصدقاء، وكان أمينًا لتلكَ الصداقةِ وذلك الإلهام. هو الذي دافع عنهم طيلة حياته، وفي وقتٍ كان النظامُ السوريّ يبدأ شيئاً فشيئاً تغوّلهُ في السلطة والعسف، خرجَ صاحبُ «يألفونَكَ فانفُر» في مؤتمر اتحاد الكتاب العرب عام 1979، ليطرحَ أسئلةً ومشاكلَ من طينةٍ عجزَ كثيرونَ عن الحديثِ فيها بعدَ أكثر من ثلاثين سنة! هو الذي وقفَ يومها وأطلق مقولةً خالدةً بأنّ «النظام السوريّ يكذب حتى في النشرة الجوية»، وتساءلَ، وعلى الملأ: «كلنا في هذا الاجتماع تجنّبنا الحديث عن مسائل معينة. لا أحد تحدّث عن سرايا الدفاع. لا أحد تحدث عن المخابرات. لا أحد تحدث، إنْ لم نقلْ عن الوجه الطائفي للسلطة، فعلى الأقل عن الممارسة الطائفية لبعض العناصر في السلطة».


تساؤلُ عدوان نفسُهُ، ساهمَ بدفعِ السوريين الذين أحبّهم وأخلص لهم إلى الشارع، فقُتلَ من قُتلَ وشُرّد من شُرّد وغُيّب من غُيّب، وكأنّ كلّ ذلكَ حدثَ ليعرفَ السوريونَ والعالم بشكلٍ فعّال وواقعيّ معنى «حيونة الإنسان».

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +