رياض الصالح الحسين ... بسيطٌ كالماء واضحٌ كطلقة مسدّس

رياض الصالح الحسين ... بسيطٌ كالماء واضحٌ كطلقة مسدّس

يا سورية الجميلة السعيدة


كمدفأة في كانون


يا سورية التعيسة


كعظمة بين أسنان كلب


يا سورية القاسية


كمشرط في يد جرَّاح


نحن أبناؤك الطيِّبون


الذين أكلنا خبزك وزيتونك وسياطك


أبدًا سنقودك إلى الينابيع


أبدًا سنجفِّف دمك بأصابعنا الخضراء


ودموعك بشفاهنا اليابسة


أبدًا سنشقّ أمامك الدروب


ولن نتركك تضيعين يا سورية


كأغنية في صحراء.


****


   تبدو استعادة سيرة رياض الصالح الحسين «1954 – 1982» أمراً واجباً في أيامنا هذه، ليس لأنّها مُهمشة، فالحقيقة أن اسمَ رياض في السنواتِ العشر الأخيرة أُعيدَ إلى التداولِ مجدداً مع موقعِ «جدار» منتصف العقد الماضي، ثمّ ما تبعهُ من اهتمامِ الأوساط الثقافية سورياً وعربياً به، بل للسيرة التي تبدو مزيجاً بين سيرِ الصعاليك والملحميين في آن، أولاً. وتالياً لانتماء الراحلِ شخصاً وتجربةً للبساطة والوضوح، وقد لا نجدُ تعبيراً استدلالياً على ما نقولُ أكثرَ من عنوانِ مجموعته الشعرية «بسيطٌ كالماء، واضحٌ كطلقةِ مسدّس».


ولدَ رياض الصالح الحسين عام 1954 لعائلةٍ أصلُها من مارع شمالَ حلب، لكنّهُ ولد في درعا جنوب سوريا، حيثُ تسكنُ العائلةُ بحكم عملِ والدهِ الذي كان متطوعاً في الجيش.


بدأت حياةُ رياض تأخذُ ملحميّتها مذ كانَ عمره ثلاثة عشر عاماً، حيثُ فقدَ سمعهُ إثرَ خطأ طبيّ ناتجٍ عن عملية جراحية أجريت لهُ في مشفى المواساة بدمشق عام 1967. ففقدَ رياض سمعهُ، ما اضطُرّه لتركِ المدرسة.


ولكنّ الإعاقة لم تكن سبباً كافياً لتتوقف رغبة رياض بالحياة، فالرجلُ الذي عملَ في شركة خاصة في حلب كعامل مياوم، بدأ كتابة الشعر في سنّ مبكرةٍ، وبدأ نشر قصائده منتصف السبعينات، قبل أن ينتقلَ إلى دمشق عام 1978 وينخرط في أجوائها الثقافية والفكرية، ويعمل في مركز الدراسات الفلسطينية هناك.


ويروي الشاعر فرج بيرقدار الذي كان على علاقة وثيقة برياض أواخر السبعينات، حيث تشاركا (صحبةَ وائل السواح- جميل حتمل- حسان عزت- بشير البكر- خالد درويش- موفق سليمان- فاديا لاذقاني) في إصدار ما سمّي آنذاك «الكرّاس الأدبي»، الذي توقّف بدورهِ بعد صدور تسعة أعدادٍ منهُ عقب اعتقال أكثر أعضائه، وكان من بين من اعتُقلوا رياض نفسه، ومن المرجّحِ أن كثراً من السوريين والعرب، لا يعرفون المعلومة التي أوردها الشاعر فرج بيرقدار في مقالة له في جريدة المستقبل عام 2009، وهي أنّ رياض تعرّض لتعذيبٍ استثنائيّ أثناءَ اعتقالهِ ليتمّ التأكدُ من صممه!


ولهذا أهمية جديدة تضافُ إلى أهمية ووجوب استذكار صاحب «وعل في الغابة» في هذه الأيام السورية الدموية الصارخة.


عام 1979 صدرت أولى مجموعات الراحل الشعرية، عن وزارة الثقافة والإرشاد القومي، وحملت عنوان «خراب الدورة الدموية»، ثمّ، وبعدها بعامٍ واحدٍ صدرت عن وزارة الثقافة أيضاً مجموعته الثانية «أساطير يومية». عامانِ آخران، ثمّ صدرت مجموعة شعرية ثالثة للراحل «بسيط كالماء، واضحٌ كطلقة مسدّس»، عن دار «جرمق» الفلسطينية.


ولتكتملَ فصولُ سيرةِ الراحل الملحمية، كان لا بدّ لها من نهايةٍ غرائبية، حيثُ أنهُ وعلى ما يذكر الشاعر منذر مصري في شهادةٍ توثيقية عن الراحل وأيامه الأخيرة، كان قد أُصيبَ بصدمةٍ عاطفيةٍ دفعتهُ إلى الانعزالِ مع كميّات كبيرة من الكحول، إلى أن وجدهُ صديقاهُ العراقيّان «مهدي محمد علي وهاشم شفيق» مرمياً في غرفتهِ شبهَ ميتٍ فقاما بإسعافهِ إلى مستشفى المواساة، ليرقدَ أياماً مُصاباً بفشلٍ كُلويّ، أدّى إلى وفاتِهِ أخيراً عصر يوم السبت 20/11/1982 وحيداً وأعزلاً.


لقد قُتل رياض في حياتِهِ مراتٍ كثيرة، تغييباً وتهميشاً واعتقالاً قبل وفاته، وقتل أملاً بالشفاءِ مبنياً على وعودٍ خلبيّة بعلاجه في الخارج من قبل مسؤولين وكتّاب. كلّ هذا وغيره، دفعهُ ليختمَ مجموعته الشعرية الأخيرة التي صدرت بعد وفاته بعام وعنوانها «وعل في الغابة» بقصيدةٍ ختامُها الأثيرُ: «لقد اعتدتُ أن أنتظركِ أيتها الثورة!»

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +