لنحارب التكفيريين جيدًا

لنحارب التكفيريين جيدًا

لنضع جانباً بلاهة شعار «محاربة التكفيريين»، فهو بمضمونه لا يختلف عن «محاربة المرتدّين»، والشعاران وجهان لحربٍ واحدة يرفعهما أهمّ زعيمَين عربيَّين في زماننا، السيّد نصرالله والخليفة البغدادي. لكن محاربة التكفير مسألة حقيقية جداً وعربية جداً، ولها طبلٌ عالمي كبير وبساطٌ طويل عريض ينبغي سحبه من تحت أقدام العسكر، سواءً العسكر الأميركي أو العلماني العربي أو الشيعي المتمدّد غرب آسيا.


ما سأقوله بسيط: التكفير حقٌ من حقوق الإنسان، تماماً كالكفر، وأيّ تخاذلٍ في الدفاع عنهما سيكون نقطةً ليس لصالح أحدهما ضدّ الآخر بل لصالحهما معاً، ضدّنا. وكما الديمقراطية هي البديل الوحيد عن الحرب الأهلية، كذلك البديل الوحيد للدم الجاري بين مؤمنين وكافرين هو حرية الإيمان، وحرية تركه أو تغييره، وكذلك حرية رسم «الحدود» بين المؤمن والكافر بالنسبة لأصحاب العقيدة، وهنا الجدل.


على جميع العلمانيين الذين لا يؤمنون بالله أو بالوحي أن يُسارعوا إلى تكفير أنفسهم، وألا يخافوا في الله لومة لائم. لا يستقيم الدفاع عن حرية العقيدة ثم الردح بالصوت العالي إذا قيل عن ذلك كفر، كأن الكفر تهمة! وإذا وخزت أحدهم وقلت «عفواً أخي بس حضرتك كافر، بتآمن شي؟»، زَعبَرَ بكل شيء إﻻ بالحقيقة الدقيقة تلك. والأغرب، جماعاتُ «التنوير» و«القراءة العصرية» و«تجديد الخطاب الديني»، وكثيرون منهم ﻻ يصلّون ولا يصومون ولا يجرؤون أن يعلنوا ذلك على الملأ، ثم ﻻ يكفّون عن «بلف» المسلمين، وعن... (ﻷنهم بهايم) تعليمهم كيف يجب أن يكون دينهم «كیوت» و«مۆدرن». أسوأ ما يفعله أصحابنا هؤلاء، وسبحان الذي بلانا بهم، تشويه فكرة التجديد وتحويله إلى تقليعةٍ علمانيةٍ خرقاء، لا أسهل من تكفيرها ونسفها بحجّة أن التجديد «لعب بالدين يقوم به الكفار»، وهم مثالٌ حيٌّ على صدق ذلك.


معظم خطاب التجديد هراء، وأصحابه أجبن من طرح أهم نقاطه، أي ببساطة الدفاع عن حق «العقيدة المنحرفة» بالوجود والتعايش مع «العقيدة الصحيحة»، وليس مطالبة الأخيرة بأن تميع على هواهم. هذا لا يمنع بقاء المسلم المنحرف مسلماً بالمعنى الاجتماعي والثقافي، أي ابناً بارّاً لبيئته وعالمه الحضاري الشاسع.


بلى، هناك وصماتٌ وخيمةٌ مرتبطة بالكفر، والتكفير ليس فقط عمليةً نظريةً لتمييز الكافر من المؤمن، بل فيه غطرسةٌ وتحريضٌ وكراهية، وهو ما يستثمره المتعصّبون للتحريض على ناس معيّنين ووصفهم بعار «الكفر»، سواءً عن حقٍ أو عن باطل. لكن هذه الدلالات السيئة للكلمة لا تزول بالتقادم، والحرية الدينية لا تتحصّل لمجتمع ما بپاراشۆت نازلة من السماء، بل إن الجهاد في سبيل الحرية الدينية مسألة دم، كالجهاد في سبيل الحرية السياسية وأكثر. لا يجدي «التسامح» بين الأديان، ما لم يكن هناك تسامحٌ داخل كلِّ دين.


يمكن تحدّي مسلمي العالم أن يأتوا بآية واحدة تهدر دم الكافر، بل يمكن العثور على عشرات الآيات السمحاء. لكن هذه المقاربة غير كافية. يجب القول بوضوحٍ إن الكفر مسألةٌ شخصيةٌ وعاديةٌ جداً، ثم الدعوة العلنية لجميع الغيورين على دينهم إلى التطبيع الشامل مع الكفر، مقابل التطبيع الشامل مع التكفير وإباحته سواءً بسواء. الغمغمة مجاملة رخيصة أو هروب جبان، وفوق ذلك تركُ بابِ النفاق مفتوحاً على مصراعيه.


هذا ليس فقط حقاً للكفار الجاهزين، بل كذلك لملايينَ فقدوا إيمانهم ويضطرّون للتملّق والتستّر على فعلتهم العويصة تلك، لأنهم محرومون من إعلان عدم إيمانهم بسبب تراكمات ثقافية تجرّم ذلك، ما يلقي بالمزيد من الغيوم على ضباب المشهد. إن أسوأ شيء يكونه دين من الأديان قبيلةٌ يخاف أبناؤها الانشقاق عنها بعد كفرهم بعاداتها.


قال «أنا مش كافر»!

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +