رحلة فلاديمير من لينين إلى بوتين ... السياسة والملاكمة

رحلة فلاديمير من لينين إلى بوتين ... السياسة والملاكمة

لم يلزم عرشَ القيصر الروسي المتداعي، وحكم أسرة رومانوف، سوى ترددات انفجارات القذائف في الحرب العالمية الأولى حتى اهتز وسقط  في مشهدٍ كان تعبيراً عن «الشيخوخة وحتمية الموت».
ترافق ذلك مع وجود حركة سياسية نشطة، ووجود قوى سياسية فاعلة، لم يكن البلاشفة أقواها؛ لكنهم كانوا القوة الأكثر تنظيماً ووضوحَ رؤيةٍ في قراءة الحدث المتحرك.
يحضر هنا وبقوة اسم زعيم الحزب ومنظِّره «فلاديمير إيليتش لينين» كشخصية محورية في صياغة سياسة حزبه وإقرارها، والتي كانت نتيجتها  أن استطاع البلاشفة وهم «الأقلية » ضمن الحركة الاشتراكية الثورية ، أن يتسلموا مقاليد الحكم، وكان عليهم مواجهة جميع القوى الداخلية والخارجية التي كانت مستعدة لفعل أي شيء لإفشالهم.
استطاع «لينين» ورفاقه، مجموعة محترفي الثورة، مواجهة تلك الظروف والخروج منها إلى مشروع دولتي يحمل تطلعاتٍ وآفاقاً عالمية  كمدٍّ جغرافي وفكري، ومن ثم دخول الحرب العالمية الثانية مع الحلفاء للقضاء على «النازية» التهديد الأكبر للتعايش والسلم الدوليين، والخروج منها عبر مقاسمة  بين القوى المنتصرة في الحرب ، بحصة  توازي حصة الحلفاء، والتأسيس لحرب باردة دامت عقوداً  ألقت ظلالها على العلاقات الدولية ومتغيراتها الجيوسياسية ، وما ترتب على ذلك من أعباء وصراعات وتسابقٍ إلى التسلح بات يهدد مصير البشرية.


تم كل ذلك خلال سياق موضوعي حَفِظَ مواقع تلك القوى، وحدد مسار الحركات والتحولات التاريخية الجارية ضمن ذلك السياق، وتعبيراتها الاقتصادية والسياسية  والاجتماعية، وأدى إلى خلق ثقافة جديدة للصراع وإدارة موارد القوة واستثمارها، كانت الدولة الشمولية والديكتاتوريات المناطقية انعكاسها الأبرز، والتي استطاع الغرب توظيفها لصالحه وتحويلها إلى موارد ربحٍ ومرتكزات سياسية تخدم مصالحه، بؤر توتر وعقائد متصارعة تتوزع في مناطق الثروات والموارد، في الوقت الذي كانت تشكل أهم عوامل الابتزاز المالي والعسكري للسوفييت.
وفي مقابل القمع وخنق الحريات، والفساد – متلازمة الدولة الشمولية - الذي بات ينخر عظامها ويهدد وجودها فعلياً، كان الغرب يتغنى بمنجزاته الديمقراطية، وبحقوق الإنسان التي تحصلت عبر دولته المدنية، وعدالة الفرص وحرية الأفراد، التي أصبحت تشكل طموحاً سياسياً وأخلاقياً لغالبية شعوب الأرض.
في الطور الأخير من ذلك الصراع كان قيام «الجمهورية الإسلامية» في الموقع المنتقى بدقة، من حيث قربها من المنافذ المحتملة للسوفييت إلى المياه الدافئة، وتوسطها دول المشرق جغرافياً وثقافياً، وبسرعة قياسية نجحت في حسم السجال الدائر في المنطقة بين السياسة والدين، وساهمت بفعالية ممنهجة في نشوء ودعم التنظيمات الجهادية، ابتداء بالمجاهدين الأفغان وليس انتهاء بسواحل المتوسط الغربية والجنوبية والقرن الإفريقي، عبر تواجدٍ فعلي بالمال والسلاح والتنظيمات التابعة لها.


كانت الورطة السوفييتية في أفغانستان والدور الذي استطاعت إيران أن تلعبه، بمثابة الرافعة الحقيقية للفكر الجهادي الإسلامي، وانزياح الايدلوجيات الاشتراكية والقومية إلى الحدود الضيقة تمهيداً للقضاء عليها لصالح الفكر الديني المتطرف، وليست الحالتان الفلسطينية واللبنانية هما الوحيدتان في هذا السياق.
وقد دفع سقوط السوفييت بالأنظمة الشمولية والديكتاتوريات التابعة إلى الواجهة، وتمت تعريتها سياسياً وأخلاقياً، بعد أن كانت تتلطى خلف تداعيات الحرب الباردة وتعتاش عليها، وعندما انكشفت أزمتها بتوقف تلك الحرب، لم تتورع عن تدمير بلدانها ومجتمعاتها في سبيل الحفاظ على نمط الاستبداد الذي ابتدعته.
كانت قوة وعنف التدمير أكبر من أن تمرر كشأن محلي، بل تجاوز تأثيرها المباشر الحدود الإقليمية ليطال القوى التي استخفت بها وتخبطت في التعامل معها في بلدانها مباشرة، وتبدى عجز الشرعية الدولية عن توجيه ذلك العنف واحتواء نتائجه دون المساس بالنظام القائم.
الأمر الذي دغدغ أحلام البطولة لدى وريث الامجاد الروسية الآفلة "فلاديمير بوتين" وسوَّغ له مغامرته لإحياء الحلم الإمبراطوري الدافئ للروس، وإعلان القوة العسكرية وسيلة لاسترجاع تلك الأمجاد، وجاء بطائراته وآلته الحربية مطالباً بما أضاع أسلافه بتهاونهم وتراخيهم، ابتداء من سايكس بيكو، وليس انتهاء بنظام دولي عليه أن يعترف له بحق حماية ديكتاتوريات يعتبرها وليدته الشرعية.
أحلامٌ تجاوز عمرها المائة عام، لا تحفل بعوامل "الشيخوخة وحتمية الموت".

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +