السيمورغ السوري.. شيءٌ من تاريخ الطرائد

السيمورغ السوري.. شيءٌ من تاريخ الطرائد

لعل البحث في ملاحم الطيور يحدو بنا للإيغال في كنه كائنات لها أجنحة افتقدناها، ومحاطةٌ بعالم صيادين كُنَّاهُ، مشغوفين به متناسين المثل الأفريقي «طالما النمور لا تملك مؤرخين ستظل حكايا الصيد تُمجِّد الصيادين». وكذا لأننا أبناء ثقافة غزو، واعتدنا ركوب الخيل للصيد، ربأنا بأنفسنا أن نُكنَّى بالنسور، وآن لنا في غمرة إحساسنا بأنّا طرائدُ هذا الزمان أن نبحث عما يرتق سماءنا من تاريخها المغمور.


وفي الملحمة الفارسية الـ«سيمورغ» التي تعني «ثلاثون طائر» نجد قصة نزوع الطير في البحث عن ذاتها عبر السعي لانتقاء من يحكمها، «برلمان الطير»، وهي إحدى انبثاقات أدب الملاحم من أسطورة صينية تحاكي في دلالاتها الميثيولوجية طائرَ الفينيق السوري.


تداولها صوفيو المشرق، الرومي، الحلاج، الغزالي «رسائل الطير»، وفريد الدين العطار بأدب المثنوي الفارسي «مؤتمر الطير- برلمان الطير». تبدأُ باجتماع الطير للبدء برحلة البحث عن الحقيقة والوطن الروحي لها، مما يوحي بأن برلمانها المنشود ما هو إلا انعكاسٌ للفكرة والقيم التي تبتغي ترسيخها.


وما الشباب العربي الثائر نحو تحقيق إنسانيته وحريته إلا صورة عن جوهر هذه الأسطورة، وهذا النحو المتوثب الذي سيرسم ملامح جديدة للحياة، كان يمكن أن تضاهي الثورة الفرنسية وما أفرزته من قيم لولا شريعة الغاب التي أحاطت بها، تلك التي ما كانت الثورة الفرنسية لتحقق ما حققته لو أنها ووجهت بها.


تنبش الملحمة-الأسطورة في أحفوريات الروح ومكنونات النفس، وتفتحُ أفقاً لمساحة تتبدى بها النشوة بسطوة الكشف لدى النازعين لحريتهم بعيدا عمن ركنوا لمفردات اليومي من وحل حيواتهم فتوحي بأن«لكل منا أجنحة قد لايكتشفها إلا القليل» الساعي نحو وطنه الأصل -المعرفة أو الصفوة وكذا الشعوب تفرز نخبها بعيدا عن الارتهان للضعف والتردد.


تروي الملحمة متاعب قليل الطيور التي تنضّت لهذه المهمة الصعبة وتذكر الوديان السبعة التي تعبرها وكيف يمتحن الجميع برغبات وهِنات معيقة


وبشكل محايث لشطحات الصوفية الفريدة في تحميل المعان لكل واد تمره الطيور ابتداء بواديـ الرغبة والبحثـ مما يحيل إلى الإرادة التي يخطو بها الفرد أولى العتبات في سِفر التمرد هكذا بدأ السوريون ثورتهم نَضَوا همَّ الخبز اليومي بأيدٍ رسموا لها أن تتحرش بسماء كانت أبعد من حلم عما قليل


ثمـ وادي الحب ـإذ خلع الشباب عباءات ولاءات القبائل والطوائف والأعمار وحدود المذكر والمؤنث في الحياة وفي الخطاب فتآزر توق أرواحهم لرسم ملامح وطن تنعتق فيه الإنسانية من جُل قيودها وتسقط الجدران


وقد أدرك السوريون أنهم ساروا في ثورة عن الإنسان وضد أساطين مملكة الخوف التي أثثت لها في النفوس صدى وأمكنة فنبشوا ما ترسب في ضميرهم الجمعي من عثرات بارتجال العاشق وتداعوا للنقاء بلا وصي أو ثقافة نحو هدف جميل وهو مامرت به الطيور بوادي المعرفة


وجعلهم وادي الفقر والحاجة يشعرون أنهم ضحية البشرية جمعاء يقدمها الجميع على مذبح الحقيقة والنور.


ثم تمر الطير بوادي الوحدة والانعزال وهي مرحلة تموج في تشبع الثائرين بها لئلا يصدقوا أحدًا سوى نبض من قضى نقيًا.


لاشك أن تساؤلات كثيرة تلف عقول السوريين بمرورهم بوادي الارتباك الذي مرت به تلك الطيور هي لحظة للوقوف مع النفس وتفقد الجراح والتساؤل عن موطن التعثر وأن ثقبًاً كونياً يعصف بالضمير الإنساني.


كما تمر الطيور في النهاية بواي الإبادة والعطش الذي تمتحن فيه حتى آخر رمق وبعبوره يكون الوصول إلى الأفق الذي يتبدى مرآة في قمة جبل«قاف» تعكس صورة الحقيقة والمبتغى الروحي لترى انعكاسا لصورتها وهي ثلاثون طائرتجاوزوا كل المحن لتكتشفمدماك الحريةأو«برلمان الطير»


ذاك هو سِفر السعي دما وذاكرة وتوثب أرواح تنطع له الشعب السوري الثائر بحثا عن الحق بتقرير من يحكمه ليكون منارة للشعوب لولا ما اعتور ثورتهم تلك من العزل والتخذيل والحصار لتشويه مرآة الحقيقة التي تتسع لتفضح كونا وضمائر شعوب لا أنظمة وسيجسدون الفينيق السوري المشتعل المنبعث كلما احترق موتا أو ذبحا أو هجرة وستكمل الملحمة دورتها هيذي حكمة التاريخ الذي لا يفتأ يرمي حجرا وسط ماء الركود والسوريون حجر حكمته الوحيد


إن من يخلص للحقيقة ينتمي لثورة السوريين عن الإنسانية ولها ومن التزم بما ماتوا لأجله ؛ وإن قلوا فهم زرافات تعي وطأة الطوفان وهم ربان نهايات التعب .


في النقوش القديمة ورد رسمطائر السيمورغ على شكل نسر وأسقطت البطة والبومة والغراب والنعامة قبل سفرها نحو أول واد وأغفلت من سقطوا وكذلك فإن صفحات أخرى تكتب لتاريخ بعيد عن الأضواء هو شيء من تاريخنا تاريخ النسور التي ضيعها رواتها فحولها العالم إلى طرائد.


الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +