الديمقراطيّة عند الحيوان

الديمقراطيّة عند الحيوان

ليس البشرُ هم الكائنات الحية الوحيدة التي يمكن أن تعيش في أنظمة ديمقراطية على هذا الكوكب، فعديدٌ من مجموعات الحيوانات والطيور والحشرات تتخذ القرارات بتوافق الآراء، وربما تُجسد الديمقراطية بشكل أفضل من بعض المجتمعات البشرية التي تقمعها أنظمة ديكتاتورية وشمولية تقوم على تأليه الفرد أو سيطرة الطائفة أو الحكم اعتماداً على قوة العسكر.


دون الخوض في أصول مفهوم الديمقراطية والاستغراق في تحديد تفاصيل هذا المفهوم أو تأطيره، تُعرَّف الديمقراطية على أنها حكم الشعب لذاته دون انفراد أحد أفراده أو مجموعة منهم باتخاذ القرار، وربما يكون أبسط شرح لمفهوم الديمقراطية هو مقولة الرئيس الأمريكي السابق أبراهام لنكولن الشهيرة بأن الديمقراطية هي: «حكم الشعب، من الشعب وللشعب»، وفي هذه الحالة يمكن استبدال مفردة «الشعب» بسهولة بكائنات حية أخرى، كالصراصير مثلاً.


أظهرت دراسة نشرت في دورية الأكاديمية الوطنية للعلوم في واشنطن، أن الصراصير تحكم أنفسها في دولة ديمقراطية بسيطة جداً، حيث تكون جميع الصراصير متساوية في المكانة، وتسبقُ المشاوراتُ القراراتِ التي تؤثر على المجموعة بأكملها.


أشلي وارد من جامعة سيدني للعلوم البيولوجية يقول إن أسماك أبو شوكة تختار قادتها بتوافق الآراء، ويزداد تعقيد عملية الاختيار مع ازدياد حجم المجموعة، من خلال آلية ردود الفعل الاجتماعية الإيجابية.


أما الجاموس فيتخذ قراراته الجماعية عن طريق التصويت، ذلك وفقاً لهربرت برينس من جامعة فاغنينغن، حيث يحدق واحد أو أكثر من الجواميس في اتجاهٍ معين، فإذا نظرت الأغلبية في هذا الاتجاه، يتم اتخاذ القرار بالتحرك إليه، وهو ما يسمى بالتصويت المرئي الذي يعكس قدراً من التوافق. أما الغزلان الحمراء، فلا تكتفي بالنظر فقط في التصويت، بل بالوقوف، فإذا وقف نصف القطيع أو أكثر، تتحرك المجموعة بأكملها.


تسمح قرود مكاك تونكيني لأي عضو من المجموعة بالمبادرة في اتخاذ القرارات الجماعية، بغض النظر عن الجنس أو السن أو الوضع، بينما يميل البشر في المقابل إلى التركيز على هذه العوامل، كتحديد السن أو الجنس أو العرق في بعض الدول حتى، من أجل المشاركة في الحكم. وتُشابه ملكة النحل الرؤساءَ أكثر من الملوك عند البشر، حيث أظهرت الدراسات الحديثة دور عاملات النحل في اختيار الملكة، وقال ستان شنايدر من جامعة كارولينا الشمالية: «إن كيفية تفاعل عاملات النحل مع الملكات المحتملات يؤثر في تحديد الملكة الجديدة، ومن خلال الاحتشاد والنشاطات المعقدة الأخرى، يتخذ النحل أيضاً قرارات التوجه للبحث عن الغذاء وأمكنة الاستيطان».


هوجان شيرو من جامعة ولاية أوهايو وجد بعد دراسة استغرقت ثماني سنوات أن ذكور الشمبانزي لا يمكنها أن تتخذ موقفاً دون دعم من الإناث وغيرهم من أفراد مجتمعه، كما أن التزاوج والتودد إلى الإناث وتألق الشمبانزي الذكر هو ما يشكل «حملة» لتصدره الزعامة بين هذه القرود. وتقوم خفافيش بشتاين باتخاذ قرارات جماعية حول أماكن تعشيشها وفقاً لبيتر كابيلر، مؤلف كتاب «سلوك الحيوان: تطور وآليات»، ويمكن للخفافيش اتخاذ قرارات فردية، فيشكل المنشقون عن الجماعة مجموعات فرعية، لتندمج في وقتٍ لاحق مرة أخرى، ولكن في كثير من الأحيان يتحقق توافقٌ في الآراء.


ويبدو أن الحمام يقوم بتقديم تنازلاتٍ عند اتخاذ القرارات الهامة، فعلى سبيل المثال قد تتبع الحمامة الواحدة مسار السفر الخاص بها، ولكن عندما تقترن حمامة بأخرى، تتوصل الحمامتان إلى حل وسط للسفر معاً، حيث يتم تحديد المسار الجديد عن طريق الجمع بين أفضل ما تعرفه كل حمامة عن الرحلة.


تعتمد كثيرٌ من التجمعات عند الكائنات الحية على أنظمة محددة تقوم بتنظيم وإدارة شؤونها وتحديد العلاقات بين أفرادها، وهو ما يقابله أنظمة الحكم عند البشر التي تتنوع بحكم الأمر الواقع من أنظمة حكم جماعي (ديمقراطي) إلى فردي قمعي يلغي وجود مجموعات وقطاعات كبيرة من المجتمع أو الدولة الواحدة، وهو ما يقود بالضرورة وعبر التاريخ إلى نتائج سلبية على أقل تقدير، أو انتفاض للمجموعات المغيّبة، أو إفرازاتٍ كارثيةٍ أخرى، حيث يتحول الحكم الفردي بما يحمله من اضطهاد وقمع وتغييب إلى محركٍ لاستجلاب الحقوق بالعنف المتناسب طرداً مع شدة الظلم على هذه المجموعات.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +