2015-09-11 03:02:06
في جلسةٍ وديّة مع أحد الأصدقاء المهتمين بالفن، حَدَّثتُه عن أحد المدرسين الذين استفدت من علمهم خلال فترة دراستي للإخراج السينمائي، في جمهوريةٍ صغيرة من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق. سألني ذلك المدرس عن أحب الأفلام السينمائية، وكان جوابي «التيتانك»، ثم إن ردحاً من الزمن مرَّ على مواظبتي على رؤيةِ الأفلام السينمائية التي كانت متوفرةً في مكتبة الأكاديمية، أفلامُ «تاركوفسكي» و«بيرغمان» و«فيليني» و«ديفيد غريفيث»، وغيرهم كثيرون مِن أسماءِ مَن أسَّسوا أو ساهموا في ارتقاء فن السينما، وأضافوا كثيراً من الجمال إلى هذا العالم. ومع توغلي في العالم الجديد، بِتُّ أتذكر إجابتي التلقائية عن أحبِّ الأفلام، وأشعر بالحرج.
ليسَ هذا انتقاداً لفيلمٍ حازَ على أحد عشرة جائزة أوسكار، فالفيلم له جمهوره العريض، ولا يمكن لأي مُشاهدٍ إلا أن يُعجَب بطريقة إنجازه، غير أن مربط الفرس الذي أحاول لفت النظر إليه هو السؤال: متى ستتعزَّز الذائقة العامة الشعبية كي ترفض ما يُقدَّم لها من فنٍ هابطِ المستوى؟ وهل باتت الثورات حصان طروادة الذي يَدخل بيوتنا وعقولنا، ثم يخرج علينا منه كل نتاجٍ رديء؟ ومن حيث المبدأ، هل يجوز احتساب كلّ ما يُقدَّم لنا يومياً في مختلف الفنون على الثورةِ بوصفها الشاقولَ الذي تدور حوله الشبهات؟ لا شكَّ أن الأمر أعقدُ من أن يُعالجَ بمقالةٍ بسيطة، كما أنه سيفتحُ الأبواب على مصاريعها لأسئلةٍ كثيرة شائكة تحتاج للإجابات حول دور الفن ووظيفته ، ودور علم الجمال وتوظيفه، ودور الفلسفة وارتباطها العميق بكل ما سبق.
بالعودة لوجبات البوشار المحروق، الذي تزكم رائحتهُ أنوفنا كثيراً حين نشاهد لوحاتٍ فنية لا يعرف راسموها الفرق بين اللون السماوي واللون البنفسجي، أو أفلاماً توحي بأن صانعيها يستطيعون اختزال كل علوم السينما بعد مشاهدة ثلاثة مقاطع على اليوتيوب يدرسها مغامرٌ معجب بمغامراته، وكذلك الحال بالنسبة لباقي الفنون، فلا يَسعُكَ والحال هذه إلا أن تُغلقَ وراءك الباب، ثم أن تَهرع نحو كتابٍ نَجَا من سياطِ التساهل وجلدات المتهاونين.
في السياق ذاته، كُنَّا قد اعتدنا على مشاهدة بعض الكتب المجلدة ذوات العناوين الملتهبة والصور الجنسية المغرية، التي قد تراها على بسطاتٍ في الشوارع، فلا المراهقُ قادرٌ على فتحها والتنعم باختلاس النظر لصورة أو قراءة عبارة فاجرة، ولا هو قادر على الشراء، ثم إن تلك الجلدات البلاستيكة بدأت بالتكاثر مع انطلاق عوالم الافتراض الالكترونية، وطوَّرت أساليبها، فباتت الجلدات البلاستيكية شفافة وقابلة للإزالة، وبات مسموحاً أن تقرأ وتشاهد كما تريد، فازدياد عدد القراءات هو المربح والغاية، ثم بات مباركاً أن يُساهم من كان يرغب بالشراء بأن يكون بائعاً وصانعاً شريطة أن يمتلك حصانه الطروادي، وشهرته السندبادية في عالم النت.
لذلك ننصح بالتالي لكل الراغبين: يمكنك أن توزع شهرك لستة أقسام، في الخمسة أيام الأولى تستطيع تعلم الانكليزية، وفي الخمسة أيام الثانية تستطيع تَعلُّمَ كيف تغوي ملكة جمال، وفي الخمسة أيام الثالثة تستطيع التمكُّن من العمل على إصدارات الفوتوشوب كي تجد نفسك برفقة نيكول كيدمان على يختٍ في الكاريبي لو أحببت، أما الخمسة الرابعة فستستغلها لو أردتَ في كتابة ديوانٍ شعري وطباعته مباشرةً، ولن تعوزك المقدرة على توزيع الأيام خلال هذه الحصة. وفي الخمسة أيام الخامسة فلك الحرية في أن تتعلم أصول الفقه، كي تُكَفِّر كل من لا يعترف بنتاجاتك الإبداعية، وفي القسم السادس والأخير، لك أن ترتاح وتحصي عدد المعجبين والمعجبات بفضائل علمك.
الوسوم