أمام سطوة الزحف العمرانى الهائل، فقدت هوليود الشرق، عدداً كبيراً من دور العرض السينمائي، وضاعت ذاكرة القاهرة السينمائية خلف الأعمال التجارية بعدما هدم أصحاب السينمات مبانٍ أثرية ظهرت في أفلام الأبيض والأسود، وحولوها إلى مولات، أو إلى ورشٍ صناعية في أحيان أخرى.
تقريرٌ صادرٌ عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بعنوان «مصر في أرقام 2014»، عن تناقص دور العرض في ثلاث سنوات، حيث كان عدد دور السينما في مصر اثنان وتسعون داراً عام 2012، مقارنة بـمئة دار عرض عام 2011، ومئة وخمسين عام 2008، ويعني هذا أن مصر فقدت ثمانية وخمسين دار عرضٍ سينمائي في الفترة بين 2008 و2014.
تشير مصادر أخرى غير رسمية، إلى أن الرقم كان ثلاثمائة وثمانية وخمسين دارًا عام 1954، وانخفض إلى مئتين وخمسة وخمسين دارًا عام 1966، ثم مئة وتسعين داراً في 1977، مما يعني أن مصر فقدت مئتين واثنين وستين دار عرضٍ سينمائيٍ في ستين عاماً.
وزارة الثقافة المصرية، الجهة المسئولة عن صناعة السينما في مصر، تتجاهل ما يحدث لصالات العرض التي تغلق لصالح الأنشطة التجارية، فالوزارة لا تبدي أي رد فعلٍ حيال ما يحدث، بل إن هناك محافظات كاملة بلا دار عرض واحدة. والمفارقة أن من بينها محافظة الأقصر التي تستضيف سنوياً مهرجاني سينما، هما مهرجان الأقصر للسينما الأوروبية، ومهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، وليس فيها مع ذلك دارُ عرضٍ سينمائيٍ واحدة، بل تُعرَض الأفلام المشاركة في المهرجانات على شاشات عرض كبيرة في المعابد الفرعونية.
في منطقة العباسية، بالقاهرة، اختفت «سينما التاج» القديمة وحلّت محلها ورشة لخراطة الميكانيكا، و«سينما ريتس» كانت من أكبر صالات وسط البلد وأشهرها، وبعد إغلاقها استأجرتها الممثلة شريهان لتعيد ترميمها وافتتاحها، ولكن المشروع توقف تماماً. أما «سينما حديقة النصر» بشارع الجمهورية، التي تعد واحدة من أقدم سينمات وسط البلد، وهي التي كان يشاهد فيها الملك فاروق والسياسيون الكبار والباشوات والبهوات الأفلام في بدايات القرن الماضي، أغلقت أبوابها بعد ثورة 1952.
في منطقة بولاق أبو العلا، تقع سينما محمد علي مختبئةً خلف محلات الملابس التي علقت بضائعها على بابها، وتحولت من مكان لعرض الأفلام إلى محلات لعرض الملابس المستعملة، لتتقلص أعداد سينمات وسط البلد بنسبة 30% بعد أن كانت تضم أربعة عشر دار عرض، منها أربعة دور عرضٍ مغلقة، في حين ظلت أربع سينمات فقط تضم قاعات كبيرة «1000 كرسي فأكثر» هي ميامي، وديانا، وكايرو، وهيلتون رمسيس.
كذلك في منطقة روض الفرج أغلقت العديد من السينمات ولم يعد لها أي أثر، منها سينما الصيفي وألف ليلة وليلة، التي هُدمت وبُنيَ مكانها برجٌ سكنيٌ الآن. أما مدينة الإسكندرية فإن معظم مُلاك دور السينما القديمة فيها كانوا من الأجانب اليونانيين والإيطاليين وبعض الشوام، إلا أن معظم هذه الدور أغلقت بعد ثورة 1952 وما تلاها من هجرة للأجانب.
قرَّرَت شركة نهضة مصر للإنتاج والتوزيع السينمائي مؤخراً، وهي مالكة مجموعة سينمات رينيسانس، هدم دار السينما الوحيدة بمدينة أسيوط وبيع موقعها لإنشاء برج سكني. وتُعد سينمات شبرا بالاس وهوليوود والكورسال بالقاهرة، وسينما ريالتو بالإسكندرية من أشهر دور العرض السينمائي التي اختفت تحت أقدام البيزنس.