من حطّين إلى تشرين

من حطّين إلى تشرين

على هامش الحرب السورية، أصبح كل تفصيل بعيدٍ عن متن الصراع، مسألة ثانوية لا تهم أحداً؛ ففيما مضى كانت أخبارٌ عن تغييرات إدارية أو وظيفية، أو مراسيم وقوانين تتعلق بالشؤون المحلية تحظى بالاهتمام والمتابعة، غير أنها صارت اليوم باهتة لا معنى لها، بل ويعتبرها البعض من قبيل المكابرة للإيحاء باستمرار الدولة السورية وعدم انهيار النظام.


ونتيجة لذلك، مرّ دون انتباه خبر أوردته صفحة  نادي حطين على الفيس بوك يثير اللواعج في النفس، وهو نقل مقر النادي إلى حي دمسرخو في مدينة اللاذقية.


ولمن لا يعرف اللاذقية فإن حدثاً كهذا يعتبر بالنسبة لأبنائها كنقل القطب الشمالي إلى خط الاستواء. ففي زمن سابق على الثورة، كان سؤال حطيني أو تشريني هو المعتمد لمعرفة خلفية الآخر وانتماءاته لتحديد كيفية التعامل معه، وهو الذي استبدل اليوم بسؤال ريف أو مدينة. وكان سائداً الإعتقاد أن الريف بالكامل يشجع تشرين والمدينة تشجع حطين، لكن الحقيقة أنه كان هناك فئة ضخمة في المدينة تشجع تشرين، كالمارتقلا وجزء من الصليبة. وقد دفع هذا التعميم مقدمي برنامج «كيك أوف» التلفزيوني على شاشة المستقبل اللبنانية، للقول إن الحساسية الأهلية في لبنان بين ناديي الأنصار والنجمة هي مجرد مزحة إذا ما قورنت باللاذقية. فأيامها، ونحن نتحدث عن منتصف التسعينيات، كانت اللافتات والأعلام ترفع على النوافذ والشرفات، وتعلق في الشوارع كتعبير عن الانتماء الكروي، وكان التنافس على رفع أكبر علم، وتعليق أظرف لافتة، سابقاً لما حدث بعد ذلك في المرحلة السلمية للثورة السورية.


حينذاك كانت الرياضة تعدّ بديلاً للتنافس الانتخابي والتعبير السياسي، وقد استرسل المخيال الاجتماعي في تفسير عمق هذا الاستقطاب حول الناديين. فتشرين يرمز إلى إنجازات النظام وانتصاراته في ما عرف سورياً بمصطلح «تشرين التصحيح والتحرير»، بينما يرمز حطين الى لحظة المجد الاسلامي بتحرير القدس من الصليبيين. كما رمزت الوان الأزرق والأبيض لفريق حطين إلى البحر والمدينة العتيقة، فيما رمزت ألوان الأحمر والأصفر لفريق تشرين إلى مرحلة جديدة لمدينة مختلطة اجتماعياً.


ولما كانت أغلبية الجمهور الحطيني من أبناء الأحياء الشعبية العتيقة، وفقراء المدينة، كان أبناء الطبقة الوسطى للمدينة إضافة إلى الريف العلوي، والأحياء العلوية، يشكلون غالبية الجمهور التشريني، لكن ذلك لم يمنع وجود جيران في نفس البناء، أو أخوة في نفس البيت يشجع كل منهما نادياً مختلفاً. وقد كرَس هذا الفرز وجود ظاهرة فواز الأسد كرئيس فخري لنادي تشرين، وممارساته التشبيحية بحق خصوم النادي.


فقد كان الاستعراض الأثير لفواز، لا سيما عند استضافة نوادٍ من خارج اللاذقية، هو دخول الملعب بسيارته الرانج السوداء، والقيام بدورتين حوله، بينما يقف جمهور تشرين هاتفاً «أبو جميل» وهو لقبه. وكان يحلو له أحياناً دخول الملعب بالسيارة، والايحاء بأنه يريد دهس أحد اللاعبين المنافسين، مستمتعاً بالذعر الذي يبثه في نفوس اللاعبين، وفرارهم من أمامه. وقد قام مرة بإطلاق النار في الهواء داخل الملعب متحدياً جمهور حطين. ورغم كل أفعاله تلك لصالح النادي، الا أن حالة من الضيق والتململ بدأت تدبّ في صفوف جماهير تشرين، بسبب ممارساته وتدخلاته في التشكيل والتدريب، وتعدياته التي أدت إلى هجر النادي من مشجعين كثر. وقد دفع تراكم الامتعاض من الرجل، بمجموعة من وجهاء المدينة من مشجعي النادي، إلى الطلب من ماهر الأسد بالتدخل لإيقاف ابن عمه عن هذه الأفعال، فكان الجواب الذي تندر به أهل المدينة طويلاً: عليكم أن تشكروا الله أن فواز «متلهٍ» بكرة القدم عن أذية الناس، هل ستتخيلون ماذا سيفعل لو حرمناه من لهوه هذا؟

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +