الرئيس الراحل صدام حسين

الرئيس الراحل صدام حسين

الشخص نفسه الذي يصرخ عالياً: «يلعن روحك يا حافظ»، يقول في معرض حديث عابرٍ عن «الأمّة» وأحوالها: «الرئيس الراحل صدام حسين». يقولها باتزانٍ ووقارٍ وتبجيلٍ لازمٍ عند ذكر أي قائد عظيم. سأقاطعه قائلاً: «لكن صدام حسين ...»، وسيقاطعني هو: «أختلف معه وأعرف أنه ديكتاتور، لكنه تصدى لإيران والغرب ببسالة، وقصف إسرائيل بصواريخ سكود، ومات شهيداً».


ينتهي الكلام هنا بيني وبينه على أي حال، فما الفائدة من الجدال مع شخص كهذا!، خاصةً أن ثمة في مكان آخر، ربما على الطاولة المجاورة في المقهى نفسه مثلاً، من يقول بالاتزان والتوقير نفسه: «الرئيس الراحل حافظ الأسد»، بعد أن يكون قد «رصّع» حديثه عن صدام حسين بكلماتٍ من قبيل «الفاطس»، و«المقبور»، و«الطاغية».


الفجيعة أن الأول ينفي عن نفسه كل تهمة بالطائفية أو التعصب القومي، والثاني يفعل الأمر عينه أيضاً. فالاثنان وطنيان ولا طائفيان حتى النخاع، حتى أن الأول يعيب على الأسد طائفيته البغيضة، والثاني يعيب على صدام طائفيته البغيضة أيضاً. فجيعةٌ كهذه تستحق بعض التوضيح العلني دون شك.


لا يمكن أن يكون جزار حلبجة، والقائد الفاشل في حربين، واحدة مع إيران والأخرى مع الكويت، «رئيساً راحلاً»، إلا بقدر ما يكون جزار حماة، والقائد الفاشل والكذاب في تشرين التصحيح وتشرين التحرير، «رئيساً راحلاً» أيضاً. وفي المقلب الآخر فإنه لا يمكن لطاغية البعث السوري أن يكون «لعين روحٍ»، إلا بقدر ما يكون طاغية البعث العراقي «لعين روحٍ» أيضاً.


ليس ثمة موبقةٍ أو قذارة فعلها الأول وتورَّع عن فعلها الثاني، والعكس بالعكس. لم يكن «عديّ وقصيّ» شيئاً آخر غير «باسل وبشار وماهر»، لكن الحظ لم يسعف صدام في توريث أيٍّ من أولاده. هل نحن بحاجة لاستعراض فيديوهات يقوم فيها صدام وعصابته بتفخيخ رجالٍ أحياء ونسفهم حتى يقتنع الأول بأنه لا يمكن «لعن روح» الأسد، وذِكرُ قاتلٍ محترفٍ كصدام حسين بكل هذا التبجيل في الوقت نفسه؟


ليس مطلوباً على أي حال أن يتخلى أي منهما عن انحيازه، بل المطلوب بعض الشجاعة والوضوح والتخلي عن الكذب والمراوغة. كم سيكون جميلاً أن يعترف الأول بأنه يبجِّل «رئيسه الراحل» لأنه قاتل «الأكراد الانفصاليين والمجوس وأذنابهم الشيعة»، وأن هذا يشفع له ويجعل التغاضي عن طغيانه ممكناً. وأن يعترف الثاني بأنه يبجِّل «رئيسه الراحل» لأنه تصدى لمشاريع «دول الخليج الرجعية وأذنابها من المتطرفين السنة»، وأن هذا يشفع له ويجعل التغاضي عن طغيانه ممكناً.


كم سيكون مريحاً أن يعترف كلٌ منهما أنه ليس لديه مشكلة عميقة مع الطغيان والاستبداد، وأن موقفهما يتغير بتغير الجاني والمجني عليه. دعونا نبدأ من هنا، وليقف الأول معترفاً بشجاعة الرجال أنه منحاز لأي عربي سنيّ ضد أي شيعي أو كردي، وليعترف الثاني بشجاعة الرجال أيضاً أنه منحاز لأي علويٍ أو شيعيٍ ضد أي سنيّ. ستجعل اعترافات كهذه كل النقاشات أسهل وأكثر جدوىً، فلنعترف بما نحن عليه أولاً، فلنقلها دون مراوغة وتنميق للكلام.


أنت «قاتلٌ» يا صديقي حين تتحدث بكل هذا التبجيل عن قاتلٍ كصدام حسين، ولكن ليست هذه هي المشكلة، فجميعنا قتلةٌ بشكل أو بآخر في نهاية المطاف. لكن المشكلة أنك تريد أن تقنعني بعد ذلك أنك تشتم الأسد لأنه ديكتاتورٌ قاتل، وليس لأنه «نصيري»، وينطبق هذا «بعكس الألقاب» على «القاتل» الآخر الذي يجلس على الطاولة المجاورة في المقهى نفسه .. مثلاً.


إذا حدث أن قرأ الأول أو الثاني هذه السطور، فإن الأرجح أنه سيتجه إلى ما لديه من عدة المصطلحات والمفاهيم المحزنة لسوق التبريرات والشروح والدوافع الوطنية والقومية والتاريخية لموقفه. كُفَّ عن هذا يا صديقي لأنه يجعل الأمور أكثر تعقيداً، وبالحديث عن الاعتراف، سأعترف لك بأمر، لقد كنت أدافع عن القاتل لعين الروح حافظ الأسد في سن المراهقة، وأبرِّر جرائمه بدعوى أنه يتصدى للأعداء الصهاينة، لقد كنت قاتلاً أبلهاً يا صديقي آن ذاك.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +