مِن كُلِّ مَجزرة قطرة!

مِن كُلِّ مَجزرة قطرة!

عصرُ الآلة


في فيلم وثائقيٍ يَحكي قصة مَجازر سربرنيتشا، توقّف الصحفي خلال جولاته قريباً من حاجزٍ للقوات الدولية التابعة لمجلس الأمن. أخرجَ الرجل صورةً واقترب من جنديٍ فرنسيٍ يحمل بندقيتهُ بيده مثل مخطوطٍ أثريٍ في متحف اللوفر. قال الأول: «أتعرفُ صاحب هذه الصورة؟» أتاهُ الجواب: «أجل، أعرف». «أتعرفُ أين يسكُن؟» أجاب: «نعم، بالقرب من هُنا، إلى جهة تلك التلّة». «هل تدري أنّ في رقبته وحدَهُ ما يزيدُ عن ألفي قتيل؟» رَدَّ: «أعلم». «فلماذا إذاً لا تقوم بواجبك فتلقي القبض عليه؟» أجاب: «لم يصلني أيُّ أمر بذلك». كانَ كمَن صَعَدَ جبلاً إلى آخره، حتّى إذا بلغ حافة الهاوية تابع السير، ولمّا قيل له: «احذر السقوط»، قال: «وددتُ لو أن هُناك لافتة بذلك، لكان الأمر أشدّ إقناعاً»، ثم سقط طريّاً؛ مثل جندي فرنسي في عجينة «الكروسان».


***


عولمة


بينما أتصفّحُ تقريراً بصدد الأجور التي يتقاضاها مُقاتلو الميليشيات على أرض البلاد، لاحظتُ أنّ المقاتل العادي الـ «Normal»، والذي عادةً ما يتّصفُ بالشجاعة والهدوء والانضباط، يتلقّى ما يُقارب المئتي دولار أميركي شهرياً. لذا قررتُ أني لو كنتُ مواطناً عادياً يقيم في دبي على سبيل المثال، لأرسلتُ إلى البلاد، بعد الفاتحة على نية التوفيق، جيشاً صغيراً قوامه بضعة جنودٍ من الهنود، ولِمَ لا، فلتحيا العولمة، ولتُصبِحْ سوريا آسيا صغيرة!


***


لا يُكلّف الله نفساً إلا وسعها


يَردُ إلى مَسامع الموظّف في دائرة النفوس زعيقُ أحدهم: «إلى التعبئة العامة يا رفاق. لا صوت يعلو فوق صوت السلاح. ساهِم من مكانك في حملة تجنيد الأطفال». يقفُ الموظفُ على الفور، ويتلقطُ مُجلّداً يغفو على أحد الرفوف؛ كُتِبَ عليه بخطّ اليد: «6-17». يُلقيه على الطاولة ويفتحُه، ثم يَسحبُ قلماً ويشرعُ بشطب الأسماء واستبدالها بـ«جُندي».


***


حدثَ ذات يومٍ من شهر دالي 2015


وصل الأمير مُعتلياً قُمرة دبابته، مُحاطاً بهالة كوزموبوليتانية من الشيشان والأفغان والإنكليز والهولنديين. ترجّلَ ومضى مُنتشياً باتّجاه المقبرة، بينما يُداعب الهواء الخفيف عباءتهُ كاشفاً عن جزءٍ من حزامه الناسف. كان من الطبيعي لوقعِ هذا المشهد المهيب، أن تُحبّه الفتاة التي تزورُ قبر أمّها التي رُجمَت البارحة حتى الموت.


***


سوءُ فهم


الفتاة التي أخبرها حاجبُ الأميرِ أنّهُ ينتظرها على الطرف الآخر من الخريطة، لم تُدرِك المجازَ وقلبَت الصفحة على الوجه الآخر، فوقعَت في غرام الإدريسي.


***


انشقاق


الفتاة التي لوّنَت صورة «البروفايل» تضامناً مع حق الجميع بتقبيل الجميع، أغلقَت الخطّ في وجه حبيبها حينما أصيبَ بسرطان الفم. لو كانَت تدري أنّه في وسعِ الفضاءِ أن يَبدو، وفقاً لمنظورٍ شرق أوسطي، مثل فستان مرصّع بشِفاه القتلى بالبراميل، لظنَّت أن المَرضى بالخلايا المُنشقّة داخل أفواههم يحتلّون مرتبةً رفيعةً ضمن قائمة الأشخاص المميزين حول العالم.


***


سياحة 1


ما يمتلكُه الحاجز الأمني، قربَ مَقبرة الدحداح في دمشق، من جاذبيةٍ هائلة وقُدرةٍ عظيمة على ابتلاع المُشاة والركّاب ووسائط النقل، يَضعهُ في مَصاف الأماكن الأكثر غُموضاً حول العالم كمُثلث برمودا والحفر المائية السحيقة في البرازيل. الحقيقة، لا أحد يدري ما إذا كانَت تبِعات هذه اللعنة قد أصابَت سُكّان المقبرة أيضاً، بيد أني أظنُّ أنهم إذا ما استطاعوا الهرب من هذا المكان المشؤوم، فإن مفاهيم أفلام الرعب ستنقلبُ رأساً على عقب منذ فَجَّر هتشكوك نفسه؛ لا لأنّ الموتى قد قاموا من القبور حقّاً، بل لأنّهُم يركضون بسُرعة الناجين من معركةٍ كان قد اقتصرَ دورهُم فيها على الدروع البشريّة، وذلك ما لا يُشبهُ البتّة ما عَوّدنا عليه «الزومبي» واثقُ الخطا الذي يَمشي كَفناً.


***


سياحة 2


لكأنّ مشاهدَ اللطم قد أصبحت طقساً من الطقوس التاريخية في صحن المسجد الأموي؟ رُبّما يريدُ أصحابُها ذوو السَّبقِ في «أكبر صحن حمص» و«أسمَك قرص فلافل» أن يجرّبوا حظّهم مُجدّداً مع موسوعة «غينيس»؛ وهذه المرّة من خلال أطول جنزيرٍ في العالم، كي يلطموا به سقفَ سوق الحميدية.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +