كلّن يعني كلّن!

كلّن يعني كلّن!

يبدو هذا الشعار الذي أطلقته واحدةٌ من التجمعات الداعية للتظاهر في لبنان شعاراً لبنانياً خالصاً، لأنه يواجه بشكلٍ مباشر واحداً من الألغام الكثيرة التي تهدد بنسف الحراك اللبناني وتحويله إلى صِدامٍ أهلي، وهو اللغم المتعلق بتناول شخصِ الأمين العام لحزب الله اللبناني، فالأخير رَجلُ دينٍ له موقعٌ «قدسي»، ورَجلُ مقاومةٍ له موقعٌ «وطني»، كما أن شيعةً كُثراً يبدون مستعدين لسفك الدماء دفاعاً عن حرمة السيد حسن، ولعل بيت القصيد يكمن هنا.


في هذه بالذات لا أعتقد أن لي أن أبدي رأياً، فأهل لبنان أدرى بشعابه، وربما يكون من غير الصائب إقحام السيد حسن في قائمة المطلوب رحيلهم وإذلالهم على ما فعلوه بلبنان، لأن إقحامه على نطاق واسعٍ قد يعني بداية حرب أهلية لا تبقي ولا تذر. وإذا كنت أعرف أن الحديث عن موقع السيد حسن المتميز عن غيره من السياسيين اللبنانيين هو محض خداعٍ وتضليل، وأعرف أنه زعيمٌ لحزبٍ متورط في كل موبقات الطبقة السياسية اللبنانية، وأعرف كسوريٍ أنه زعيم ميليشيا إرهابية تحتل مساحات من أرض بلادي، إلا أنني مع ذلك لا أجد في نفسي الجرأة الأدبية على تحريض المتظاهرين اللبنانيين على التصعيد ضد السيد حسن، لأنني أعرف أنه قد يكون في أحد وجوهه تحريضاً على حربٍ أهلية هناك.


لكنني في الوقت نفسه أنحازُ إلى شعار «كلّن يعني كلّن»، ذلك لأن من غير العادل توجيه الشتائم لوليد جنبلاط ونبيه بري وبقية العصابة، واستثناء السيد حسن، ولأن الرغبة الجارفة في استثناء السيد حسن تشبه، بل تطابق، العبارة السورية الشهيرة: «الرئيس منيح.. بس اللي حواليه عرصات»، خاصةً عندما لا يجد المدافعون عن خط السيد حسن الأحمر غضاضةً في إلحاق نواب حزب الله بقائمة المطلوب رميهم في سلة القمامة، وكأن محمد رعد وحسن فضل الله يتصرفون دون الرجوع إلى سيد مقاومتهم.


هنا بالضبط لا يعود شعار «كلّن يعني كلّن» شعاراً لبنانياً خالصاً، بل هو شعارٌ عابر لحدود لبنان الصغير إلى جميع دولِ جواره، ودولِ جوارِ جواره أيضاً. عندما اندلعت احتجاجات السوريين، حاول كثيرٌ من المتظاهرين تجنب تناول بشار الأسد في مظاهراتهم في البداية، أملاً في تجنب المقتلة الرهيبة التي تتوالى فصولها اليوم.


ربما يصح القول إن المتظاهرين السوريين وقعوا في فخ «كلّن يعني كلّن»، وها هم يدفعون أثمانها الباهظة، ولكن هل كانت فخاً فعلاً؟ وهل كان يمكن للسوريين تَجنُب ما حصل؟ ثم ألا يصح القول بأنهم كانوا شجعاناً وأبناءً أوفياء للحياة عندما رفضوا الامتثال للمهزلة السلطوية القميئة التي تقول: «هوي منيح.. بس اللي حواليه عرصات»؟


يعرف كل سوريٍ بما في ذلك أنصار النظام أنه لا معنى لوصم النظام السوري بالفساد والاستبداد والهمجية مع استثناء رئيسه، لكن لهذا الاستثناء جنوداً مخلصين يدافعون عنه بثباتٍ لأسبابٍ شتى، فئويةٍ وطائفيةٍ وسلطويةٍ وتاريخية. كذلك يبدو واضحاً تماماً أن استثناء بشار الأسد من أي نقد، يعني استثناء قلب النظام السياسي وروحه وعموده الفقري من أي نقد، لكن المدافعين عن الاستثناء يتجاهلون هذه الحقيقة ويمضون في طريقهم. وفي لبنان أيضاً، يعرف كلُّ لبنانيٍ أن حسن نصر الله جزءٌ أساسي من النظام السياسي اللبناني، وأنه لا معنى لتنزيهه عن الشراكة في مصائب لبنان، وأن هذا التنزيه لن يفضي إلى شيءٍ سوى بقاء النظام السياسي اللبناني على حاله مع تعديلاتٍ طفيفة في أحسن الأحوال، لكن المدافعين عن هذا التنزيه يتجاهلون هذه الحقيقة ويمضون في طريقهم أيضاً.


لا أعرف في الحقيقة ما الذي يمكن قوله أو فعله، لكن شعار «كلّن يعني كلّن» يمكن أن يصير مجرد شعارٍ فارغٍ من أيّ معنىً إذا لم يتحول إلى مزيدٍ من تحديد الخصوم والمطالب، ويمكن أن يقود إلى حربٍ دمويةٍ إذا تم تحديد الخصوم والمطالب. لكننا على أي حال بحاجةٍ إليه، وربما نكون بحاجةٍ إليه في «سوريا المعارضة»، إذا صحت التسمية، أكثر من أي مكانٍ آخر، ذلك لأن روح وفكرة استثناء القائد الرمز، والفصيل المسلح الرمز، والتيار المعارض الرمز، تملأ كل مكانٍ حولنا.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +