اعترافات لاجئ غير تعايشي

اعترافات لاجئ غير تعايشي

في مقالٍ تمَّ حذفه، وفي ردٍّ على المقال المحذوف، صنّف الزميل ناهض حتَّر الكائنات البشرية السورية بحسب قدراتها على التعايش إلى: «فئاتٍ غير القادرة على التعايش مع التعددية والنمط الحضاري الخاص بسوريا»، وفئاتٍ قادرة. لافتاً نظر الكوكب وسكانه إلى خطر الوقوع في شرك التعاطف الأحمق، والانجرار وراء الدعاية الرأسمالية الامبريالية، عدوة الشعوب بطبيعة الحال، التي تسوّق لكذبةٍ كبرى خُلاصتها أنّ اللاجئين السوريين هاربون من الحرب، ما يحتّم مساعدتهم «والعياذ بالله»، ودعمهم «يا للوضاعة»، ومعاملتهم كبشر «لا تعليق على الفكرة الأخيرة ووحشيتها».


ولأني أحد هؤلاء اللاجئين –تباً لي باللغتين العربية والإنكليزية–، فقد امتطاني شعورٌ ثقيلٌ  بالدونية والمحدودية حين كشف الزميل الـ حتر الغطاء عن تقيّةٍ مارستُها عقوداً في بلدي، وأنا أحاول الإدعاء زيفاً وبهتاناً أنني قادرٌ على التعايش مع التعددية والنمط الحضاري -ما غيره– الخاص بسوريا.


وفي خطوة أحاولُ فيها الالتحاق بركب الشفافية، التي حاول السيد الرئيس الشفَّاف فضيلة الدكتور الأول بشار الأسد أن يزرعها عبثاً في أدمغتنا الكتيمة، سأعترف على الملأ بفشلي في التعايش:


- واجهتُ صعوبةً شديدةً في التعايش مع «مدرب الفتوة» في المدرسة، إذ كنتُ طفلاً لم يتقن أهله تربيته، وقد أشار السيد الرئيس بوضوح إلى هذه النقطة في أحد خطاباته التاريخية، فكنتُ عديم الإدراك لضرورة البزة العسكرية للأطفال، وأهمية إتقان استعمال السلاح، والارتباط الجذري العميق بين وطنية الإنسان وقوة ضربه للأرضِ بقدمه أثناء تحية العلم.


- على الرغم من صفاء نيتي، ومحاولاتي الجادّة الصادقة للتعايش مع وجه علاء الدين الأيوبي السموح، وارتعاشة البوطي المدنية العلمانية البعث-إسلامية، فقد فشلتُ فشلاً أقلّ ما يُقال عنه أنه بمستوى فشل جنيف2.


- على سبيل التعددية، تعمّدت الاختلاط بالأقليات من كل الأصناف، حتى أنّي صادقت شيوعيين يقتدون بـ نصرالله، وبعثيين يعملون أئمة في المساجد، وناشطاً في المجتمع المدني يرى أن العسكر هم أهمّ من الوطن، وكنت دائماً مأكولاً مذموماً: كفّرني الشيوعيون، ووهّبني الأئمة، وطالبَ الناشط بحرقي حيّاً. أجل، كانت مقاربتي للتعددية فشلاً ما بعده فشل.


- يُضاف إلى المشاكل التي تؤكد عمق تصنيف الزميل الـ حتر، وانعدام قدرتي الكلّي على التعايش مع الخصوصية الحضارية لسوريا الأسد: توتري المرضيّ لدى سماع الـ«وا عيني» من الفنان الرمز علي الديك، وارتعاشي الباركنسوني مع أنامل الموسيقار طلال الداعور، ولُهاثي الشّبقي أمام إعلانات النجم «اسماعيل أوضة باشي»، واضطراباتي السايكوسيكوباتية لحظة إطلاق القدير «مهران يوسف» صرخته المدوية: واحد.. تنين، وبدء الدوران المصيري لدواليب اليانصيب.


وكانت اللحظة الحاسمة بالنسبة لي، والتي أدّت إلى تخليَّ المشين عن بلدي، وهروبي من تفوقها الأسد-فكري على منظومتي الاجتماعية المتدنية، ارتباكيَ المخجل أمام الصرّاف الآلي بطرطوس الفينيقة، والذي حُشدَ لافتتاحه كبار رجال الدولة خدمةً لعيوني: أنا اللاجئ اللا-تعايشي الوضيع.


من الجليّ أن هربي لأوروبا هو نعمةٌ كبرى لوطن التعددية والنمط الحضاري الـ نهض-حتري، فأنا سوريٌّ لم أكن أهتم بدين جاري في الأحياء المقسّمة طائفياً، وبقيتُ متخلفاً عن ركب تطور الأغنية الشعبية، متمترساً عند البائدين من أمثال فهد بلان ورفيق شكري. عجزتُ كليّاً عن فهم الفارق بين السيارة الحمراء والسيارة الزرقاء في خطابات السيد الرئيس، وأصابني التطرّف الإسلامي في مواجهة المد «الأخباريّ» المقاوم الإسلامي، ولربما كنت سأتعرّض للانقراض كأيّ كائنٍ خارج الزمن لولا التزمّت والتخلف الأوروبي الذي احتواني.


ميركل: أرجوكِ، لا تقرأي الـ حتريات قبل منحي الإقامة.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +