سوريا المُحرّرة: هل تعاني حصاراً ثقافيّاً!

سوريا المُحرّرة: هل تعاني حصاراً ثقافيّاً!

راديو ألوان - ألوان محلية 

عانت المناطق المحررة من مختلف أنواع الحصار الذي فُرض عليها منذ بداية الثورة في سوريا، الأمر الذي دفع الجهود الدولية للتركيز على التقليل من مشاكل الحصار قدر المستطاع، إلّا أنّ الحصار الثقافي يبرز كنوعٍ آخر من أنواع الحصار الذي غاب عن الكثير من أعمال الإغاثة في المناطق السورية المحررة.

بعد تحرير العديد من المدن وخروجها عن سيطرة قوات النظام، صارت مُعرّضةً للقصف الجوي والصاروخي الذي طال العديد من المراكز الثقافية، بما تحتويه من كتب ومجلدات وبحوث معرفية مهمّة، وما رافق ذلك من مظاهر النهب الفوضوي والعشوائي، نتيجة عدم الاهتمام بحماية تلك الأماكن، بالإضافة لقيام العديد من التنظيمات الإرهابية المتطرفة مثل "تنظيم الدولة الإسلامية" باقتحام المراكز الثقافيّة وإتلاف الكتب الموجودة فيها، بالإضافة الى العديد من ممارسات طمس معالم الهوية الثقافية لتلك المناطق، الأمر الذي أدّى إلى خسارة كبيرة في القيمة الفكرية والثقافية والمعرفية.

ولم تتداول شبكات التوثيق والمنظمات الأممية المعنية بالثقافة، ولا حتّى الإعلام أي تفاصيل عن مصير الحالة الثقافية، والممارسات الفوضوية أو المُنظّمة في المناطق المُحرّرة، لذلك لم تصدر أيّ إحصاءاتٍ واضحة بخصوص هذه الخسارات، وما يتم تداوله هو عبارة عن معلوماتٍ يجري تناقلها وفقًا لمصادر أهلية شهدت بعض عمليات إتلاف الكتب وإحراقها ونهبها في بعض الأحيان.

وأشار الناشط السياسي "ياسر البابلي"، خلال لقاءٍ مع راديو ألوان، إلى "وجود ما يقارب الـ17 مركزًا ثقافيًا في محافظة إدلب، أغلبها تعرّض للخراب بفعل آلة النظام التدميرية، نتيجة استخدام بعضها كمقرّات لأعمال بعض الفصائل العسكرية التابعة للمعارضة السورية، والبعض الآخر تعرض للإتلاف نتيجة تصرّفات خاطئة من بعض المُخرّبين، الذين لم يُفرّقوا بين مؤسسات النظام وبين مؤسسات الدولة التي هي ملك للشعب، وبُنيت من مال الشعب".

وأضاف "البابلي" أنّ أهم مكتبتين في محافظة إدلب هما مكتبة المركز الثقافي في مدينة إدلب، ومكتبة المركز الثقافي في مدينة سراقب، إذ تُعدّان من المكتبات القيّمة فكريّاً وثقافيّاً في سوريا.

وأشار "البابلي" إلى أنه استطاع رفقة عدد من الأشخاص، وبجهود محلية، الوصول لتفاهم مع المجلس المحلي لمدينة سراقب من أجل حفظ الكتب التي تضمّها مكتبة المدينة، ولكن بعد قصف المكتبة من قبل النظام الذي تسبّب بإتلاف العديد من الكتب والمجلدات، عمد "بابلي" وبعض الشباب إلى جمع الكتب السليمة وتوزيع بعضها على بعض المراكز التدريبية التي تدخل هذه الكتب في حيّز عملها، وتم حفظ القسم الأكبر من هذه الكتب بشكل سليم في أماكن آمنة.

ويؤكّد "بابلي" أنّ مكتبة المركز الثقافي لمدينة ادلب مازالت على وضعها، ولم يتم المساس بها أو بمحتوياتها أبداً.

وتحدث "بابلي" عن قيام مجموعة من الشباب الجامعيين في بلدة "الدّانا" بمبادرة ذاتية لتبادل الكتب فيما بينهم، وتأسيسهم غرفةٍ تمّ التّبرّع بها من أحد الأشخاص لوضع الكتب فيها بشكل منسق، بالإضافة إلى عمل اجتماعات ثقافية تتضمن تلخيص كل شاب لأبرز ما قرأه في كل كتاب، ومن ثمّ طرحه على باقي أفراد المجموعة.

وفي الختام، أشار "بابلي" إلى وجود تصور خاطئ عن وضع الشباب داخل المناطق المُحرّرة، والذي يوحي بصورة قاتمة عن حياتهم، والتقليل من أهمّيّة المعرفة والثّقافة بالنسبة لهم، إذ نفى "بابلي" أن يكون هذا هو الوضع في تلك المناطق، وعزا ذلك إلى التسويق الإعلامي القاتم الذي ينتهجه أعداء الثورة لتصوير مناطق المعارضة بأنها لا تحتاج إلا للإغاثة الصحية والغذائية والخدمية.

تتوافر العديد من الكتب على شبكة الانترنت بنسخ رقميّة، وبحال محاولة الحصول على أحدها فإن أغلبها يخضع لنظام الدفع عبر البطاقات الائتمانية، وهذا ما يعد غير متداول في المناطق المُحرّرة من سوريا، وهنا يبقى الكتاب الورقي أهمّ حامل للمعرفة والثقافة، بالإضافة لكونه الأيسر في التداول والتناقل.

ولا يمكن استبعاد النظام او أي جهات دولية تتخذ موقفًا مُضادّاً للثورة السورية من سياسة الحصار الثقافي المُركّز على المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهنا يبرز السؤال: من الفائز بإنشاء جيل غير قارئ؟ ومن الخاسر؟

للمزيد الاستماع الى التسجيل التالي:

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +