عاجزًا عن الشكر!

عاجزًا عن الشكر!


كان يودّ أن يلوح للحرب ليشكرها على إبقائه حياً، إلا أنّ جسده يتيم اليدين انتصب عاجزًا


لديه أيدٍ كثيرة ويسمونه نزيه، لم يسلم منه حادث إلا ومدّ يدًا للمساعدة، ويستريح يوم الجمعة على خاصرة النهر ليغسل روحه قبل بدنه.



/قبل 4 سنوات/


تحسس كتف صديقه وشعر بالأمان وهو يقطع النهر، يعرف بأنه إذا عجز سيتعلق بذاك الكتف ليعينه قليلًا. كان كل هذا العناء مستحقٌ، حيث  حبات «الأنغودونيا» المتدلية فوق صفحة الماء في على خاصرة النهر المقابلة لا تكذب أبدًا: «أنا ألذّ ما طاب هنا يا أيها الهناك»، تهمس الثمار لمن ينظر فقط ولا يجرؤ على العبور.


وفي العبور عودة، والشفاه لاتزال حلوةً دون أن يغسلها الماء، أمسكت الدوامة برجله وسحبته الى الأسفل برعونة، مدّ يده إلى كتف صاحبه...


«صرنا متعادلين» قال لصديقه وهو يستجلب أنفاسه الغائبة. واستمر الماء في الابتعاد سريعًا كما لو أنّ ما حدث ليس من شأنه.


/قبل 11 سنة/


عندما بدأ احتلال العراق كان هناك أيضًا، تسلل زحفًا على يديه وبطنه كما فعل بقية أصدقائه ليقاوموا الأمريكان، وبواسطة ذراعه قذف الرمانة لتسقط على بعد عدة أصابع فقط من المجنزرة فتنفجر خردة في مكانها، ورغم كل ما حصل، كان لا يزال يجلس على خاصرة النهر هناك ويغسل روحه قبل بدنه.


نجا وقتها واستمر يسحب سيجارة بيمناه ويشعلها بيسراه


قبل عشرين عامًا...


كان نحيفًا جدًا وكانوا يشبهونه بالعصا التي يمسكها ويلعب بها لعبة «الحاح» أو «بيسبول الحارات السورية»،  ينقرُ العصى الصغيرة ويشقلبها في الهواء ثم يوليها بعيدًا. لم يعرف سرّه أحد، أيكمن السر في  قبضته أم في عضلة ذراعه؟!


في وقت ما،  بعد حربٍ ونيف


جاءه ولد ولم يغط كفوف ولده البكر حتى بعد أن قال له أهله بأن الولد سيخرمش وجهه،  قال لهم دعوه ليعرف بأن الحياة تركت أثرها عليه فيقضي عمره محاولًا أن يثأر منها.


ركض وكفه يغطي عيون ابنه لكي لا يرى الجثث المرمية على جانبي الطريق وحين وصل إلى القرية الثانية دفع بعائلته في جحر آمن وذهب ليتناول شيئًا يعينهم على قوتهم، ولكنه لم يعرف بأن شوال البطاطا يخفي عبوة خلفه، سحبه فقفز الزناد من مكانه وسُحِبتْ يداهُ النحيلتان من مكانهما.


لم يذهب إلى النهر بعد ذلك وذبلت حبات «الأنغودنيا» وهناك من يقول بأنها أصيبت بانفصام شديد بين حلاوةٍ ومرارة، لا أحد يبقى صادقًا إلى النهاية على أيّ حال!. وبعيدًا عن خاصرة النهر كانت أيام نزيه تمضي وهو يطلب من صديقه أن يضع في فمه سيجارة بيده اليمنى، ويشعلها بيده اليسرى، أما ابنه فلم تفارقه عصا أبيه خوفًا من دوامة أخرى تسحبُ والدَه من رجليه من دون أي يدٍ يمدها لينجو، ودون أي كتف لتتلقف تلك اليد.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +