ملحق نوافذ ... هيدي بس تحيّة!

ملحق نوافذ ... هيدي بس تحيّة!

في السادس من أكتوبر أعلن يوسف بزي، أنّ إدارة جريدة المستقبل قررت إيقاف ملحق «نوافذ» الأسبوعي، إلى أجلٍ غير مسمّى.


الملحق الذي ملأ صباحاتِ أيام الآحاد على مدى عقدٍ ونصف، قدّمَ، بما استطاغَ القائمونَ عليه، طروحاتٍ شائكةً للنقاش، وطرحَ نفسهُ منبراً يُدافعُ عن ثقافةٍ عميقةٍ، وحريّة غير منقوصة. ناهيكَ عن تسليطه الضوء على أسماء لم يكن مُلتفتاً إليها من قبل.


خلالَ سنواتِ الغليانِ العربيّ الخمس الأخيرة، تبنّى الملحقُ حقّ البشرِ في قولِ كلمتهم ورفعِ أصواتِهم في وجهِ حكوماتهم وأنظمتهم الفاشية الفاسدة. وفردَ صفحاتِهِ لنصوصٍ تتوافقُ مع وجهةِ نظرهِ في ثوراتِ الربيع العربي.


ويبدو أنّ مآلاتِ ثوراتِ ذلكَ الربيع غير المتوقعة، تركت ظلالَها على الثقافة أيضاً، حيثُ يبدو إغلاقُ «نوافذ» إغلاقاً لصفحاتِ الحالة الكرنفالية التي ميّزت حراكَ الشعوبِ المنتفضة في بداياته، الحالةُ التي لم تستمرّ طويلاً، حتّى يكادُ المرءُ يحسبُ أنّ الملحقَ صمدَ كرنفالياً أكثر مما صمدتْ، في مفارقةٍ مريرةٍ ثورياً وبديعةٍ ثقافياً!


سورياً، قد لا يكونُ الملحقُ مؤسساً لعلاقةٍ من نوعٍ مختلفٍ بينَ السوريّ واللبناني، لكنّهُ بالنسبةِ لجيلِنا، نحنُ الذينَ ابتُلينا بالقراءةِ والكتابةِ ما بعدَ بدايةِ الألفية الجديدة، كانَ كذلك فعلاً. فقد عشنا سنوات يفاعتنا في التسعينات، حيثُ كانَ الجيشُ السوريُّ قد بسطَ سلطتهُ على لبنانَ، فارضاً نفسهُ كقوّة احتلالٍ وأمر واقع، وكذا داخلياً، كانت تلك السنوات تعتبرُ الأكثر استرخاءً وتغوّلاً وارتياحاً للنظامِ السوريّ. لم يعاصر أحدُنا جيلَ مثقّفي السبعينات السوريين الذين رفضوا التدخلَ في لبنان، كما لم نعاصر فترة الثمانينات حيثُ تداعى كثرٌ من مثقّفي لبنان للتضامنِ مع السوريين في محنةِ حماه، وما تلاها من حملاتِ اعتقالاتٍ طالت كلّ التيارات المناهضة للسلطة آنذاك. لذا، فقد كان ملحقُ نوافذ من اللبناتِ المؤسسةِ لوعيِنا، ومعرفتنا بالأصواتِ المختلفةِ عن النّسقِ العام، سواءٌ كانت لبنانيّة أو حتّى سوريّة، ذلكَ أنّ الأصوات السورية المختلفة، لم تكن لتجدَ مكاناً لها داخلَ سوريا.


على هذا، تبدو البادرةُ المُبكيةُ التي أطلقها بعضٌ من كتّاب «نوافذ» السوريين، لإصدارِ عددٍ ختاميّ احتفاليٍّ (أو جنائزيّ إن صحّ التعبير)، مفهومةً وغيرَ مستغربة، إذ أنّ الملحقَ وفّرَ لهم فرصةً نادرةً لرفعِ أصواتِهم. وتالياً فقد وفّرَ فرصةً لا تقلُّ نُدرةً لبناءِ وتأسيس علاقةٍ سليمةٍ مع الآخر اللبنانيّ، بوصفهِ مُستقلاً لا مُحتلاً، وبوصفنا سوريينَ أحراراً نملكُ قدراتٍ تجعلنا أنداداً حقيقيين، لا كتبةً آتينَ بفضل قوّةِ وسلطةِ الأمرِ الواقع.


وبقدرِ استحقاقِ الكتابِ الذين ودّعوا نوافذ على طريقتهم للتحية، لما تنطوي عليهِ بادرتهم من قوّةٍ واستمرارٍية للتأسيس آنف الذكر، مُستمدّة من أجيالٍ كثيرةٍ سبقتهم من مثقفي وكتاب البلدين، يستحقُّ كلّ من قامَ على الملحقِ، ابتداءً من روحِ بسّام حجّار، مروراً بحسن داوود وفادي الطفيلي، وصولاً إلى آخر من صمد، يوسف بزي، تحيّةً مماثلة.


وبقدرِ الحزنِ ذاتِه، الذي نراقبُ فيهِ مآلات بلادنا وذاكرتنا، نحزنُ على مآلاتِ الصحافةِ في بلداننا، وتحديداً في لبنان، حيثُ إنّ كلّ المشكلات والتناقضات في التركيبة اللبنانية، لم تمنع من القول يوماً، إنّ هامش الصحافة المتبقي فيه، قد يعتبرُ الأكثر حريةً عربياً، وعليه يمكنُ التعويل، وربما ليس على سواه!
من الواضح اليوم أن لبنان والشرق الأوسط عموماً، يمرّون في واحدةٍ من أسوأ الحقب في تاريخ مهنة الصحافة، وفي تاريخ الحريات عموماً.
لكنّ المؤكّد، أو المأمولَ ربما، أنّ أيادٍ كثيرةً ستستطيعُ في وقتٍ من الأوقات فتحَ ما أوصد. ولا ضيرَ من التحايلِ على الحزن، بالقول إنّ النوافذَ التي أغلقت، كانت لبيتٍ متهالكٍ، وسنسعى جاهدينَ لفتحِها في البيتِ المتينِ الجديدِ الذي نصبو إليه، عندَ ذلكَ سوفَ نعتذرُ جميعاً من الماغوط، ونستغني عن «ملايين الجدران»، لنبني لنا ولأصدقائنا اللبنانيين ومعهم، غرفاً بملايين النوافذ!

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +