صباح فخري ... أيقونةُ سوريا الدائمة

صباح فخري ... أيقونةُ سوريا الدائمة

قد لا يجدُ السوريونَ بعد الثورة في بلادهم شخصياتٍ كثيرةً يستقرّ الإجماعُ عليها بصرف النظر عن الموقف السياسيّ، ذلكَ طبيعيّ ربما بعد شلّالِ الدمِ الذي لم يكن سببهُ موقفٌ سياسيّ قطعاً، وعلى ذلكَ فإنّ مناهضة الثورة لم تكن لتعتبرَ خلاف وجهاتِ نظر أيضًا. لكنّ بعضَ الأسماءِ تستطيعُ الإفلاتَ من هذه الآثار، وتبقى أعلى من السجالات، من بينِها وربما على رأسِها يتربّع صباح فخري.


ولد صباح فخري في الثاني من أيار عام 1933 في مدينةِ حلب، صاحبة التراث الموسيقي الشرقي الفريد، ولم تتأخر موهبتهُ حتى تكشّفت وتوضّحت، فانطلقَ مبكراً في دراسةِ الغناء الشرقي والموسيقى في معهد حلب للموسيقى، ومن ثمّ في دمشق التي تخرّج من معهد الموسيقى الشرقية فيها عام 1948، بعد أن درس الموشحات والإيقاعات والصولفيج وعزف العود ورقص السماح والقصائد والأدوار، كلّ ذلك ولم يكن قد تجاوز الخمسة عشر عاماً بعد. وتتلمذَ على يد أساتذة كبار من مثل الشيخ علي الدرويش، والشيخ عمر البطش، ومجدي العقيلي، ونديم وابراهيم الدرويش، ومحمد رجب وعزيز غنّام. ثمّ صار مؤذّنًا في جامع الروضة في حلب.


غنّى صباح فخري في كلّ المحافظات السورية، وأغلب الدول العربية، وفي الولايات المتحدة وكندا وأستراليا، وفي البرازيل والأرجنتين وتشيلي وفنزويلا التي دخل في إحدى حفلاتِ عاصمتها كاراكاس، كتاب غينيس للأرقام القياسية، حيثُ غنى لمدة عشر ساعات متواصلة بلا توقف. كما غنى في مسرح نوبل في العاصمة السويدية ستوكهولم، وقُلدَ مفتاح مدينة ديترويت، ومفتاح مدينة ميامي. كما ووردَ اسمُهُ في موسوعة مايكروسوفت كرمزٍ من رموز الغناء العربي الأصيل.


كل هذا، يجعلُ لصباح فخري مقاماً يصعبُ المساسُ به، على الرغمِ من أنّ السنواتِ الأخيرة كانت أشبه بـ «مطحنة» لكثيرٍ من الرموز السورية والعربية، كلّ حسبَ موقفهِ من السلطة السورية، أو من أحقيةِ الثورة عليها.


سيظلّ السوريونَ على اختلافِ انتماءاتهم، يغنونَ لشامهم ويميلون مع صوت صباح فخري: يا مال الشام يلّا يا مالي، طال المطال يا حلوة تعالي.


وسيتذكّرون حلباً «ثاني أكبر مدينة مدمرة في القرن العشرين»، كلّما صاحَ صباح فخري: درب حلب ومشيتو، كلّو «سجر» زيتون!


ولن يجدَ المستمعونَ السوريونَ والعرب، أفضل منهُ إذا أرادوا أن يستمعوا إلى القصائد الخالدة والثقيلة في الموشحات والقدود الحلبية، من مثل «يا غزالي كيفَ عني أبعدوك ... شتّتوا شملي وهجري عوّدوكْ».


وسيظلُّ جامعُ المقاماتِ الموسيقية صباح فخري، نموذجاً فريداً يُسجّلُ اسمهُ في دفترِ العلامات الفارقة في تاريخ سوريا الحديث، التاريخُ الذي حينَ حاول الطغاةُ طمسهُ، أو تحريفهُ وتشويههُ، استعصى عليهم اسمُ صباح فخري، فلم يستطيعوا النيلَ منهُ كما فعلوا مع أكثر الأشياء الجميلة في البقعة الجغرافية المسمّاة... سوريا.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +