الإصبع وحوار الطرشان

الإصبع وحوار الطرشان

لستُ سيارة تمشي على طريق سريع بين مدينة وأخرى، ومع ذلك، يستمر الأصدقاء والأحباب وعابروا السبيل أيضاً، برفع إصبعهم بطريقة «الهيتش هايك» الشهيرة، ومع أنني لستُ سيارة فإنني اتوقف عند هذه الإشارة في كل مرة.


لا يعجبنيي شكل الإصبع لأنه لو كان موافقًا على ما أقول، لكان الإبهام مواجهًا لي! أما في الفيسبوك فهو مواجه لليسار، فأتساءل دائمًا: لمن هذا الإصبع ومَن الذي يتكلم غيري حتى يأخذ الموافقة أو الإعجاب بدلاً عني؟! أنظرُ إلى اليسار واليمين ، أنا هنا!


الإصبع هو دلالة ضمنية على أنّ مُعطيه يبصمُ لكَ على ما قلته لتوك وما عرضته، وعليه، فإذا كنت تريد أن تبصم بجانب إصبعك فهذه سخرية أو نصف موافقة تعبر عن شخصية مهزورة في العمق. والإصبع أيضًا دلالة ضمنية على أنك رقم واحد، الإبهام، «الألفا دوغ»، الذي يقول فيُسمع ويُشير ليُتبع، فلماذا أتعب نفسي إذا كنتَ في النهاية ستُريني جانب إصبعك لا خطوط إبهامك!


تاريخيًا، فإن الإبهام كان علامة من الجمهور لقتل المقاتل الروماني الخاسر أو الضعيف، أو علامة لإقلاع الطيار أثناء ضجيج المحركات ومن خلف الزجاج محكم الإغلاق، أو الأكثر استخدامًا وهو إعطاء الفيلم إبهامًا للأعلى أو للأسفل في حال جودته أو سوئه. لذلك يجب أن يرجع الإبهام لمكانه الصحيح والقويم.


في حلب كنّا نستخدم كلمة «ألف» كردّ على الموضوع السوبر، الموضوع الموافق عليه، أو كقبول سريع على خطة ارتجالية تستوجب التنفيذ المباشر، وإن أردتم الحقيقة فإن كلمة «ألف» هي دمج لكلمتين معًا، الأولى كلمة «أف» الدالة على المبالغة عند رؤية شيء عظيم أو مفاجئ، والثانية هي الإبهام الواقفة كرجلٍ لم يذق الطعام منذ أيام ولكنّه مع ذلك يحترم من يقف أمامه وما يقوله.


 ولربما لأننا لم نحلم بإمساك هذا الرقم  في يدنا مرة واحدة أو ورقتين من فئة الخمسمائة، فإن "الألف" هي الموافقة النهائية والمكافأة الكبرى أو الجائزة التي تسمعها وتحلم كيف تصرفها بحكمة. وعندما صدرت ورقة الألف في عام 2010 اعتبرنا ذلك تحققًا لنبوءة ما.


الموضوغ ليس مشكلة غرافيتي أو رسم توضيحي، لأن مجرد خمس خطوط متوازية ثم يأتي فوقها الإبهام خطين وقبة واصلة بينهما وانتهينا. هل هذه مشكلة كبيرة! وأنا لست ممن يؤمنون بالمؤامرة ولكن هل يعقل بأنها مؤامرة!


أقول لنفسي مرارا و تكرارا بأنني أكره هذه الاشارة وكنا قد استغرقنا سنوات طويلة حتى تعودنا على كلمة «أوك»، وعلمنا أنها ليست «أوكي» ومع ذلك فأنا أقبل بحرف الـ «ك» وحده بدلًا من هذه الاشارة الفضيعة.


ألست رجلًا لتريني إبهامك؟ ألستَ رجلًا لأحاسبك على كلامك لا من إبهامك!


يجب أن نعيد للإبهام هيبته فهو طابو البيت حاكم المعاهدات والاتفاقيات والأهم من ذلك كله الإنتخابات، وأعتقد أن في ذلك سوء استخدام حتى أنني ذهبت في تفكيري إلى البحث عن الذي اخترع هذه الإشارة ليرفع على المسيئين قضية انتحال شخصية موظف رسمي.


ألا يوجد مختار للفيسبوك يعلمكم بأن البصمة لها أصول وعادات وتقاليد، وأنّ الذين يستحقون أن نبصم لهم بالعشرة سوف يُقدّرون بأننا لم نرم إصبعنا في كل مجلس وديوان ومحادثة!


ألا يوجد أُميٌّ واحد يلطمكم على وجوهكم ويقول لكن بأن البصمة من اختصاصه هو، وبأنكم تعرفون الكتابة ولكم توقيعكم وكلماتكم المُنمقة لتختموا أحاديثكم بها!


ألا يوجد «ألف» مصطلح ومصطلح تستخدمونها بدلًا من إصبعٍ لا يعرف أين الله وأين قبلته!


لست سيارة تمشي من مدينة إلى أخرى، ولكن هؤلاء الطرشان لا يسمعونني، ويستمرون برفع إصبعهم في وجهي، وأعتقد بأنني لن أقف في المرة القادمة من أجل أي أحد!

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +