قبلة سراقب على جبين الكرة السورية

قبلة سراقب على جبين الكرة السورية

لا يفخرُ السوريون «معاً» بأشياء كثيرة، أعني أنه ليس هناك مآثرُ وطنيةٌ كثيرة يُجمِعُ على الاعتزازِ بها حملةُ جنسيةِ هذا البلد المنكوب. ثمة مآثر يفخر بها بعضهم دون بعضهم الآخر، ومن بينها ملاحم مجيدةٌ فعلاً، لكنها ليست محطّ إجماعٍ بحالٍ من الأحوال. لا ملاحم القتال ضد العثمانيين ولا ضد الفرنسيين ولا ضد الصهاينة، ولا بناء سدّ الفرات، ولا الأدباء ولا الشعراء ولا الدراما ولا غيرها. ثمة دائماً ما يطعن في مآثرِ سوريين عند سوريين غيرهم، وثمة دائماً ما يقود إلى التشكيك في أي مأثرةٍ والتقليل من قيمتها، عن وجه حقٍ أو عن غير وجه حق.


لعل الهدف الذي أحرزه مناف رمضان عام 1988 يشذّ عمّا قلته أعلاه، فهو مأثرةٌ سوريةٌ جامعةٌ بحق، إذ يندرُ أن نجد سورياً لا يعرفه ويتذكره جيداً، بما في ذلك أولئك الذين ولِدوا بعد عام 1988، ويندرُ أن يُذكَر أمام أي سوريٍ دون أن ترتسم ابتسامة فخرٍ وفرحٍ على وجهه، إنه «دبل كيك» مناف رمضان الأسطوري.


 في أوائل التسعينات كان الأطفال في بعض الأحياء والقرى يقولون إن مناف رمضان «اخترع شغلة اسمها دبلكيك»، وحتى هذه اللحظة يمكن أن نسمع سوريين يقولون أثناء متابعتهم لمباراة في كأس العالم: «شفت هالدبلكيك... متل مناف رمضان». ولا يغيب اسم الرجل مطلقاً عند فتح أي حديثٍ عن أمجاد الكرة السورية القليلة، ولا يتذكر مشجعو نادي جبلة لحظة مجدٍ أنجزها فريقهم بعد اعتزال مناف رمضان عام 2005.


أحرزَ مناف رمضان هدفه المدهش في بطولة الأندية العربية لصالح فريق جبلة في مرمى الضفتين الأردني، المعروف حالياً بنادي الوحدات. وقبلها وبعدها قادَ مناف فريقه الساحلي مع الحارس مالك شكوحي وآخرين إلى بطولة الدوري السوري أعوام 87 و88 و89. كان مناف رمضان هدية سراقب للساحل السوري، وكان هدفه قُبلةً سراقبية على جبين الكرة السورية الذي عفرّه سوء الإدارة والفساد في التراب عقوداً طويلة.


ليس للكرة السورية إنجازاتٌ باهرةٌ على الصعيد العالمي أو القاري، لكن ذلك لم يكن يوماً نتيجة عدم وجود لاعبين رفيعي المستوى، بل كان دائماً نتيجة قلة التمويل والاستهتار وسوء الإدارة. كان لاعبونا، ومن بينهم مناف رمضان دون شك، يفكرون دائماً في كيفية ضمان مستقبلهم ومستقبل أطفالهم بعد الاعتزال، وحتى أحياناً في تأمين قوت يومهم أثناء لعبهم مع أنديتهم.


أيضاً كانت كرة القدم وأمجادها من أحلام السوريين الكثيرة المكسورة في عهود الظلام الطويلة، وقلما شارك منتخبهم أو نادٍ من أنديتهم في بطولة عربية أو قاريّة أو عالمية، دون أن تكون المشاركة مشفوعةً بشغف الحياة والنصر، وبمرارة الهزيمة والألم في نهاية المطاف. غير أن كرة القدم تمشي في عروق السوريين رغم كل شيء، وتشهدُ على ذلك دوريات المناطق المحررة التي ينظمها السوريين رغم القصف والموت والدمار، ومن أبطالها ناديان من سراقب نفسها، «جبهة ثوار سراقب» و«ألوان».


بدأ مناف رمضان رحلته من نادي سراقب/فئة الناشئين، وحمَلَه شغفه إلى أندية الحرية ثم جبلة ثم منتخبات سورية الوطنية للشباب والرجال، وناديي اليرموك والجهراء في الكويت. أما ابنه عمار مناف رمضان فإنه قد يبدأ مشواره قريباً مع نادي «إي سي ميلان» الإيطالي/فئة الناشئين كما تقول الأخبار، فهل سيحمله شغفه إلى دوري أبطال أوروبا، أو ربما إلى الكلاسيكو ذات يوم.. ألا يحق له أن يحلم، وأن نحلم معه؟

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +