عن الكلاسيكو والبلاد المنخفضة

عن الكلاسيكو والبلاد المنخفضة

ملفتٌ أن البلجيكيين لا يُشبِهون مروان فيلّايني!


رغم أنك أينما ولّيت وجهك في امتداد البلاد المنخفضة هذه ستجدُ سحناتٍ مشرقية، عربية وفارسية وتركية، وأخرى من المغرب العربي، إلا أن أحدهم لا يُشبهُ فيلّايني، لاعب كرة القدم ذو الشعر الذي يذكّرُ بحقبِ الخمسينات والستينات في أوروبا، ويلعبُ اليوم لنادي مانشستر يونايتد الإنكليزي.في الحقيقة هم أكثر جمالاً منه!.


لم تسهم كثرة السحنات الشرق أوسطية في بلجيكا، بالتخفيف من القلق الطبيعي بسبب سحنتي، عقبَ أحداث باريس الدامية قبل أسبوع. لكن هذا القلق بدوره لم يمنعني من الاستمتاع بجمال المكان.


ما لنا وكلّ هذا...


أزورُ بلجيكا الآن للمرة الأولى، تزامنًا مع الكلاسيكو المرتقب بين ريال مدريد وبرشلونة. ولأنني لا أعرفُ هذه البلاد وطريقة تفاعلها مع الكلاسيكو، فقد قررتُ حضور المباراة مع صديقٍ «رياليّ» في هولندا المتاخمة، على الأقلّ فإنّ ضمانة المتعة هناك أكبر حتى لو خسر فريقي، برشلونة طبعًا!


لم أعرف بلجيكًا في حياتي، أول شخصٍ عرفتهُ منها هو حارس منتخبها في كأس العالم ١٩٨٢ -١٩٨٦. كان جان ماري بفاف واحدًا من ألمع أسماء تلك الحقبة الكروية التي لم أعشها واعيًا، لكنني عرفتُها بعد إعادة مشاهدتها فيما بعد. بفاف كان اسمًا مرعبًا للمهاجمين، طبعًا إذا استثنينا مارادونا، ذلك الصغير الذي لم يرعبه شيء في حياته، حتى فيديل كاسترو والمخدّرات!


لم تمضِ سوى سنوات قليلة حتى جاء ثاني بلجيكي إلى حياتي، وكان حارس مرمى أيضًا في المونديال الأمريكي، حفظتُ اسْمُهُ بشكل طبيعي لكثرة ما شاهدته في بطولة بلاد العمّ سام!. لعبِت بلجيكا في مجموعةٍ واحدة مع السعودية والمغرب. ومن منا ينسى هدف سعيد العويران المدهش في مرمى ميشال هذا؟! قطع العويران ثلثي الملعب ملقيًا في طريقه بأربعة مدافعين بلجيكيين، قبل أن أودع الكرة في المرمى مسجلًا هدف البطولة الخالد. حسنًا، لم تسعف محاولةُ ميشال تقليد سلفه بفاف في تسريحة الشعر، بأن يكون مثله، مرعبًا للمهاجمين!


بعد ذلك بكأسي عالمٍ دَخَلَ البلجيكي الثالث إلى عالمي، كان مارك ڤيلموتس من المهاجمين المهمين في البطولة الآسيوية، فاجأ الجميع في الأدوار التمهيدية بتسجيله عدة أهداف وقيادته الحقيقية لمنتخب بلاده للدور الثاني. لم يكن هو الآخر مرعبًا لأحد سواي، كان مهمًا لكن ليس لدرجة الرعب. أما أنا، فقد كان خوفي بسبب المواجهة المرتقبة مع المنتخب البرازيلي، لوثَتي الدائمة في كرة القدم. كانت البرازيلُ ستواجهُ بلجيكا في الدور الثاني بعدَ أداءٍ متذبذبٍ في الدور الأول. وعلى الرّغم من انتصارها على بلجيكا في ذلك الدور بهدفين لواحد، إلّا أنّ فيلموتس كان مرعباً فعلاً، فقد سجّل هدفاً ألغيَ بداعي التسلل. وانتهت حقبتهُ بعد ذلك بأعوامٍ قليلة، ليكون مدرباً للمنتخب بعدها.


في السنواتِ الأخيرة، لمعَ نجمُ بعض النجومِ البلجيكيين، مثل إدين هازارد لاعب تشيلسي، وعدنان يانوزاي، ومروان فيلّايني، لاعبي شياطين مدينة مانشستر الحمر.


تتدخلُ كرة القدم في تشكيلِ الوعي أيضًا، المعرفة التي قلّما يذهبُ إليها المرءُ في بلادنا طائعًا، وإن حدث فإن وقتاً طويلاً يلزمُه حتى تتحولَ المعرفةُ إلى مصدرٍ للمتعة في الوقت عينه. وعليه فقد كان طبيعيّاً أن أفكّرَ بكلّ هؤلاء في زيارتي الأولى لبلجيكا، هم يشكلون كاملَ معرفتي عن هذه البلاد.


لن يقولَ أحدهم إن سُئلَ عن البرازيل إنها بلد باولو كويلو، سيقول إنها بلد اللاعبين العظماء، ابتداءً من بيليه وليس انتهاءًا بنيمار. كما أنّ عدداً لا يحصى في العالم بات يعرفُ معنى كلمة «كلاسيكو»، تعبيرٌ ساحرٌ يحملُ نوستالجيا دفينةً بين حروفه، وقد لا يمكنُ استخدامُ تعبيرٍ أقلّ دلالةً منه لوصف مباراة ريال مدريد وبرشلونة!


لاحقاً، سيروي لي شابٌ بلجيكي كان يقلّنا من المطار إلى مدينة إقامتنا، إنّ وزيرَ المهاجرين في البلاد اقترحَ وضعَ رباطاتٍ خاصّةً على سواعدِ اللاجئينَ القادمين حديثاً لتمييزهم عن السكانِ الأصليين (وهم بعشراتِ الجنسيات للمفارقة!)، وللاحتراس من إرهابيّ محتملٍ يكونُ بينهم. تعودُ النوستالجيا إلى السطح، أتذكّرُ مشاهدَ نزوحِ اليهود في الحقبة النازية في فيلم عازف البيانو «The pianist»، كانوا أيضًا يضعونَ هذه الدلالات على سواعدهم. هذه أيضًا ذاكرة!


لكنّ ذاكرة كرة القدم، على الرغمِ من خروجِ مغلوبٍ، تبقى ذاكرةً لطيفة، وتبقى واحدة من أهمّ أسباب رسم الفرح على وجوه الناس.


فلتذهب الحربُ إلى الجحيم، ولنشدّ أحزمة الكلاسيكو!

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +