دكتاتورية الزمن الحديث

دكتاتورية الزمن الحديث

إذا ما كان سوريٌّ يمشي في الشارعِ أو يتابعُ عرضاً مسرحياً أو يشربُ قهوةً في مقهى، فلا مناص من ألاّ تظهر في الكادرِ صورةٌ للرئيسِ الأسدِ بعباراتٍ تدعو لتبجيلِه وتمتينِ دورِ الشعبِ أو الفردِ السوريِّ في طاعته «نحن باقون لك»، «نسور الأسد »... إلخ.


 فما يَحكمُ سلوكَ الشعبِ السوريِّ اليومَ تجاهَ الحكّامِ أو تجاهَ صاحبِ السّلطةِ مبدآنِ هما التبجيلِ والحمايةِ، وعلى الشّعبِ أنْ يدربَ نفسَه طوالَ حياتِه على ألاّ يُحيدَ عن هذين الواجبينِ، وهذا ما يُمارسُ كلَّ يومٍ منْ خلالِ تقديمِ الشّعبِ نفسه -بكاملِ رضاهُ- كأضحيةٍ لحمايةِ حاكمِه؛ إمّا بتنازل الشّعبِ عن جسدِه ودمائِه، أو بلعقِ الغبارِ عن كرسيِّ صاحبِ السّلطةِ، هذا الاعتقادُ الخرافيُّ الّذي يتمسك به الشّعبِ السوريّ ظناً منه بأنه يحمي صاحبِ السلطة، ما هو إلاّ ادّعاء لهُ نصيبه من السّخريةِ والزّيفِ وهو في الحقيقةِ ليس إلاّ شكلاً ظاهريّاً لا أكثرْ، يحجبُ خلفَه مشاعرَ مكبوتةً قائمةً على أساسٍ مختلفٍ؛ فمبدأ الحمايةِ يحرّكُه الخوفَ، الخوف من ديكتاتوريةِ النظامِ وممارساتِه؛ وتاريخُ سورية حافلٌ بمثلِ هذه الممارساتِ القمعيّةِ، كما أن مبدأ التّبجيل ما هو إلاّ تشويشٌ على العدائيّةِ المكبوتةِ في داخلِ الفردِ أو الشّعبِ تجاهَ الحاكمِ لكونِه صاحبَ امتيازات. فهذه المبادئ في النهايةِ هذه موجهةٌ لقمع وكبتِ السّلطةِ اللاشعوريَّةِ (الخوف والعدائيّة) في داخلِ الفردِ وإعلائِها، وبذلكَ تتحوّلُ لشكلٍ من أشكالِ التّبجيلِ المبالغِ بِه.


هذا النوعُ من الديكتاتوريةِ الجديدةِ (ديكتاتوريةُ الزمنِ الحديثِ) موجهٌ لكبتِ اللاشعور، كما أن لها دوراً أيضاً في توريطِ الشعبِ في صياغةِ ما يتخيله هذا النظامُ عن نفسِه، وهو بذلك -أيّ الشعبُ نفسُه- يُرسخُ هذه الديكتاتورية، ويعيدُ الإنتاجَ لمفهومِ العلاقةِ بين السلطةِ والشعوبِ الّتي كانت متبعةً منذُ آلاف السنينِ. والمعلومُ أن هذا النمط من العلاقةِ له بواعثُه التاريخيّة والخاصّة عندَ الشعوبِ القديمةِ الّتي كانت تَنسبُ قوىً سحريّةً خارقة وغامضةللملوكِ بدءاً (بالميكادو) الّتي تعني سيادة السّماء؛ وهو لقبُ الإمبراطورِ اليابانيِّ الّذي كان يُحمل من قبلِ رعيته على أكتافهم كي لا يتدنس في حالِ لامسَتْ أقدامُه الأرض، هذا دون ذكر ملوكِ إيرلندا، وإنكلترا كالملكةِ (إليزابيث)، (لفيلهم الثاني) وصولاً لليوم (للأسد).وليسَ بمستغربٍ أنْ تُفرضَ على هذه الشعوبِ عقوباتقد تصلُ حدَّ القتلِ أحياناً في حالِ احتكاكهم بالحاكمِلعدمِ اتقائِهم للقوةِ السحريةِ التي يتمتعُ بها هذا الحاكم. وإذا ألقينا نظرة على الممارساتِ المتبعة اليومِ بين صاحبِ السّلطةِ والشعبِ لوجدنا أنّ هذه المقاصد -من المحظورات، للعقابِ، لشكلِ العلاقةِ- هي ذاتها تُمارسُ اليومَ لكنها اتخذتْ شكلاً حضاريّاً أكثر مع ظهورِ الآدابِ المراسميّةِ.أي أن شيئاً لم يتغير...!


وهنا قد يصحّ التساؤل، هل الثورةُ هي نتيجةٌ طبيعيةٌ لرفضِ «البعضِ» من الشعبِ المشاركةَ في خلقِ مخيلةِ النظام؟ أم أنّهم المتملصونَ القلائلِ من لعنةِ التاريخِ؟

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +