قتلاهم وقتلانا

قتلاهم وقتلانا

أكثر من 120 ضحية قضوا في فرنسا جرّاء الهجمات الإرهابيّة، هل رأى أحد منكم صورهم؟ مقطع فيديو للجثث والأشلاء؟ هل رأيتم الدماء المتناثرة في كلّ مكان؟ لم أرَ رأسًا واحدًا مقطوعًا، رغم أنّ الفاجعة كبيرة وبالتأكيد كان هناك دمٌ وأشلاءٌ! لماذ لم نرها؟ ببساطة؛ ليس لأنّ قتلاهم وهميون وغير مرئيين، وليس لأنّهم كاذبون بالأرقام، أبدًا، بل لأنّهم يحترمون قتلاهم ولا نفعل! ويحترمون الإنسان ولا نفعل، ونصارعُ على عرض أشلائنا ورؤوسنا المقطوعة ودمنا المسفوك، ظانّين أننا بذلك نجلب تضامنا وتعاطفًا أكبر!


نحن أصحابُ العيون الضيّقة الذين يحسدون الناس على ميتاتهم، فذاك «الله يهنّيه على هالموتة» وتلك «والله صارتلها جنازة مرتبة». نركضُ أوّل ما نسمع بموت أحدهم ونتسابق مع أهله، من يمكن أن يندب أكثر؟ ومن يستطيع احتكار ثوب الضحية لمدّة أطول. يحدثُ تفجير في فرنسا، يأتي الرد سريعًا «أي والسورييين عم يموتوا كمان ليش ما حدا انتكش فيهن؟». يضعُ سوريّون علم فرنسا تضامنًا مع قتلى الهجمات الإرهابية، فيردّ سوريون آخرون ويضعون علم الثورة وكأن القضيّة لم تخرج من إطار المجاكرة وردّ الفعل، تتبنى «الدولة الإسلامية» العميلة الإرهابية فيهرع كتّابنا الأشاوس وناشطونا للكتابة عن القرون الوسطى وإرهاب الكنيسة حينها، ويهرعون إلى مقارنة أرقام ضحايا تفجيرات مدريد و11 سبتمبر ولندن بعدد ضحايا سوريا والعراق، ويلبسوننا التهمة ويقحموننا في الدفاع عن حرب الأرقام هذه، وكأنّ الأمر سباق لا أكثر، في من يقتل أكثر، ومن يُقتَل أكثر!


ثمّ ببساطة، نحمل ذاكرة السمك ونركض، لماذا لم يتحدّث أحد عن تفجيرات لبنان في الضاحية؟ وننسى أن كثيرين فرحوا وهللوا لمقتل ضحايا تفجيرات الضاحية لأنّهم شيعة، ثم ما لبثوا أن خرسوا لأن بينهم سوريين! وكثيرون سألوا لماذا لم يسأل أحد عن مسلمي بورما، ثم خرسوا بعدها حين عرفوا أنهم شيعة! وهكذا.. نحن لا نتعاطف مع ضحايا، نحن نتعاطف مع من يشبهنا ويعجبنا من الضحايا، ولا نأخذ موقفًا من قاتل، بل نأخذ موقفًا من قاتل لا يعجبنا، ونهلل، أو على الأقل نسكت عن القاتل الذي يعجبنا!


ويبقى السؤال «لماذا لم يكترث أحد لنا»، ولا يمكن هنا الإجابة بالنيابة عن العالم، لكن يمكننا النظر إلى عملنا نحن، كيف سوّقنا قضايانا، وكيف عرضنا شعاراتنا، وماذا قدّمنا لقتلانا غير الصور المنفّرة ومشاهد الدم والعنف. كيف يمكن أن نطلبَ من العالم احترام قتلانا إن لم نحترمهم أولًا؟، للموت حُرمةٌ، ولا أرى في موتنا إلا مشاعًا وألمًا، ولا أرى في سياساتنا إلا مشاريع لطمٍ وندب، ولا أرى أننا نحبُّ بعضنا حتى نحبَّ الآخرين. إذا قُتلَ لنا أحدٌ وأخذت حادثة مقتله صدىً واسعًا نشتعل غيظًا ونلقّبه بشهيد الخمس نجوم، عِوضًا عن أن نسعى لأن نعطي لكلّ ضحيّة حقها! ثم بعد كلّ ذلك نرى في أنفسنا خير أمّة وقتلانا في الجنّة وقتلاهم في النار! وأسأل: أي جنّة ستحتمل كل هذا القبح والكره؟

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +