هل زرت روح الله الخميني يوماً؟

هل زرت روح الله الخميني يوماً؟

على طائرة الخطوط القطرية الراقية المتجهة إلى طهران، التقت عيناي الذائبتان من درجة الحرارة المخيفة في الخليج العربي الكريم، بعيني محمود الزهار، وزير خارجية حركة المقاومة الإسلامية حماس آنذاك، جمدت للحظة ثم تابعت البحث عن مقعدي الوثير، كالعادة نفّرت بشرتي السمراء الفتاة خارقة الجمال على المقعد بجانبي، استدعت المضيفة، طالبت بنقل هذا الإيراني من المقعد المجاور لها إلى أي داهية أخرى، عندما كلمتها بإنكليزية غاضبة، هدأت واستقرت في مقعدها.


 بطاقة بسيطة طمأنتها أنني لست إيرانياً آخر من أقربائها سيلاحقها عند الوصول إلى طهران كانت كافية لتسترخي، وتطلب لنا زجاجتين من النبيذ بالحجم الصغير، بعد الزجاجة الثانية لكل منا تدفق الحديث تدفق النبيذ في خدودنا، حيّت الثورة السورية، شتَمتْ النظام الحاكم في إيران، أقسمت أن والدتها تحب أم كلثوم أكثر من هايدي بذات نفسها، وأن خمرية يزيد أشهر من الشاهنامه عند الفرس...


وكما جميع الناس الذين من الممكن أن تلتقيهم في أي مكان من هذه الكرة الأرضية قالت: أنا شيعية بالطبع ولكن...، عاجلتها بالتأكيد أنني سني بالطبع ولكن...


عندما دخلنا أجواء طهران، بدأ الحديث يقل، وبدأت علكة التشيكلس تلعب في فمها، وضعت الحجاب على رأسها، شدت الكنزة التي كانت تظهر رقبتها العاجية وجزءًا من صدرها، ارتدت جاكيتاً سميكاً، ثم أقفلت وجهها في وجهي وكأنه لم يكن من نبيذ ولا من ينتبذون!.


كانت صورة روح الله الخميني (يا له من اسم) تسيطر على كل الفضاء العام، على الجسور والمباني، واللافتات، بلد يعيش عزاءًا طويلاً ممتداً منذ 1979. لاوجود للفرح لا شيء يدل على الاحتفال سوى بالشهداء الملتحين المنتشرين في بورتريهات كبيرة للغاية على الأبنية الكبيرة، مع القبعات العسكرية باللون الخاكي، هذا الشعب الفرِح الحيويُّ الذي يعشق الحياة حتى آخر نفس، هذا الشعب الذي يقوم بأكثر من عشرة آلاف عملية تجميل للأنف في اليوم، شعبٌ، رغم جثوم الولي الفقيه على رقبته، يغني في المقاهي، ويرتدي أجمل الثياب ويضع أجمل الماكياجات، ويغني... يغنّي بكل ما في الروح الفارسية من إصرار على الفرح.


قال لي أكثر من خمسة باسيجيين عُتاة، إنهم ضد قتل مسلمين مثلهم في سوريا وإنهم رغم ذلك لا يجرؤون على مخالفة الولي الفقيه.


حشرجَ سوريٌ شيعيٌّ شامي بأنه ضد قتل أهلي في القصير، ولكنه يتبع الولي الفقيه، صببت له كأس عرق آخر وضممته لأهدئ من روعه.


بكى اشتراكي إيرانيٌّ خفيٌّ، لا يُصرّح باشتراكيّته سوى على كأس العرق العراقي التمريّ الذي يقتل الجمل، بأنه اشتراكيٌّ يذرف الدموع على بلده العريق الذي يرأسه مجموعة من المخابيل.


بكى طبيب في السنة الأخيرة من التخصص بإنكليزية طليقة على حُكم الجلد الذي أُصدِر ضدهُ عندما أمسكت به الشرطة سكراناً يوم زفاف أخته.


دفعتُه بكل ما لدي من قدرة على الإقناع، إلى السفر معي إلى تركيا بشكل غير قانوني ليطلب اللجوء في أي مكان، رفض وقال: لمن سأترك إيران؟!.


بكى شاعرٌ وفدائيٌّ حمساوي بعين واحدة، ورجل واحدة، على غزة وعلى ابنة خالته التي لا تستطيع مراسلة حبيبها، لأنّ حماس تفتش القلوب في غزة البطولة.


بكى على خاله الذي قاتل الإسرائيليين بشراسة والذي سحبه إلى لمبة الشارع بعيداً عن المقهى، ليقول بصوت منخفض -لا يليق بالفدائيين- آراءه ضد سلطة حماس.


صرخ فلسطيني يدعي الهدوء في وجهي، (لقد تمادى السوريون كثيراً في الكفر، وجاء يوم الحساب)، فما كان مني سوى أن شتمت حيفا التي أعشقها...


- لا بد أن تُصعّد في لحظة ما، لكي تحمي قلبكَ في بلادِ روح الله الخميني!.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +