عامان على يوم العار

عامان على يوم العار

إنهُ الحادي عشر من ديسمبر، عامان ويومان انقضيا على اختطاف رزان زيتونة وسميرة الخليل ووائل حمادة وناظم حمادي.


النشطاءُ الأربعة الذين اختُطفوا في دوما التي كانَ يقال عنها في أوائلِ شهور الثورة إنها «عاصمة الثورة في الشام»، قبل أن تتحوّل وفقَ سيرورةٍ مشابهةٍ لسيرورةِ الثورة السورية عمومًا، إلى عاصمة «لجيش الإسلام» وقائده زهران علّوش.


قد يكونُ من المؤلمِ تخيّلُ ردّة فعل النشطاء الأربعة، على بعضِ ردود الأفعالِ حيال قضيّتهم، سواءٌ كانت دوليّة أو إقليميّة أو حتى محليّة. وإذا كانت ردة الفعلِ الدولية والإقليمية لن تفاجئهم بحكمِ ما خبروه وعاشوه وعرفوهُ عن هذه الدول، إلّا أنّ من المرجّحِ أن تحلّ المفاجأةُ على وجوههم حين يعرفون أنّ سوريين، يعملونَ على إسقاط الأسد أيضًا، كانت مواقفهم سلبية جدًّا إزاءهم وقضيتهم.


تحيلُنا جملة «سوريين يعملون على إسقاط الأسد» إلى السؤالِ الذي باتَ تكرارهُ ساذجًا على ضرورته الدائمة: هل من يعمل على إسقاط الأسد، يعمل بالضرورة لصالح الثورة؟!


كانَ هذا سؤالًا مطروحًا لدى الكثير من السوريين مع مطلع ثورتهم. وكانت شريحةٌ ليست بسيطةً تؤيّدُ الفكرة. ففي مدينتي، السويداء، كانَ يُمكنُ لمؤيدي أيّ قوىً عاملة على إسقاط الأسد، كان يمكنُ لهم لحسمِ الجدالِ الناجمِ عن هذا التساؤل، استخدام القولِ المنسوبِ لسلطان الأطرش: «إذا الكلب الأسود بينبح على فرنسا، نحنا معو».


حسنًا، فيما لو صحّ أن القول السابق هو فعلًا لسلطان الأطرش، فلا ضير، ولا مشكلة، في الاعتراف أنهُ قولٌ سطحيٌّ ومدمّر!، أو فلنقل إنهُ ليس صالحًا للاستخدام في هذا الزمن.


لكنّ السؤال الأهمّ، هل كل من يعمل لصالح الثورة، يعملُ لصالحِ فكرة الحرية؟ هل كل من عمِلَ ويعمل في صفوف الثورة السورية، منذُ انطلاقتها وحتى هذه الساعة، يعملُ على تأسيسِ وترسيخِ القيم النبيلة التي خرج من أجلها السوريون، من عدالة اجتماعية ومساواة وحرية وكرامة وديمقراطية ودولة مواطنة متساوية؟


لعلّ هذا تحديدًا ما ميّز رزان وسميرة ووائل وناظم، وسطَ مزرعة كـ «جيش الإسلام» لصاحبها «زهران علوش»!.


ناشطتان سياسيّتان إحداهما قضت سنواتٍ في سجون الأسد الأب، والأخرى تعتبرُ من ألمع وأصفى ما عمّمتهُ الثورة السورية على السوريين، (فمعرفة رزان زيتونة كانت حكرًا على المهتمين أو المشتغلين بالشأن العام قبل الثورة)، ومحامٍ وشاعر، وحقوقيّ.


أربعةٌ اختاروا أن يكونوا بينَ الناس، لا على الرصيفِ ولا خلفَ الكتب، اختاروا أن يقوموا بالدور الذي نقرأهُ عن أيّ مثقّفٍ أو ناشطٍ أو مُشتغلٍ في الشأن العام، الدور الذي لطالما تساءلنا عنهُ وفقدناه، وسطَ ثقافةٍ وسلطةٍ ساهمتا بعزلِ المثقفِ عن البشر البسطاء العاديين «غير المثقفين» إن جاز التعبير، ورفعهِ إلى مواقعَ تعلو على مواقعهم. أربعةٌ فعلوا ما يُشرّفُ كلّ سوريّ، بل وكلّ حرّ في العالم. وسيجيء يومٌ يذكرُ التاريخُ أنّ سوريا حظيت بشخصياتٍ تساندُ الحريّة تحت القصف ووسطَ الموت والجوع بشكلٍ لم يستطع خيالُ جان جينيه نفسه أن يستحضره.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +