مهرّجون ولكن

مهرّجون ولكن

«أيُّ جريمةٍ بحاجةٍ إلى مخيّلة».


ألكلِ هذا الألمِ و القسوةِ تحتاجُ مُخيلةُ (نيرون) ليعيشَ حلّمَه؟!


ما حصلَ في روما وقتَها بسيطٌ جداً؛ الحاكمُ الذي يتفوقُ على كلّ المنظوماتِ الأخلاقيّةِ والسياسيّة، أباحَ لنفسِه خلقَ وعيشَ قصيدة دمويّة تختلفُ فيها معاني الحياة والموت، وحجته كانت إعادة خلّق روما جديدة بعد إشعالها بشعبِها. وإمبراطور روما العظيم  يعزفُ على قيثارته متأملاً هذا المشهد. إنّه الحاكمُ، يحق له أن يعيش حلمَه، والشّعبُ هو الجمهور والممثل يلعبُ الدور، وفي النهايةِ يُصفقُ على حسنِ أدائِه ويُصفقُ لهذا الكاتبِ الذي يرقصُ فوقَ جثثِهم. بينما الوضعُ في سوريا هو زمنٌ تخيّليّ محض، وجنونُ حاكمها فاق جنونَ «نيرون»، باعتبارِ طموح «بشار الأسد» هو في «إشباع» جميعِ مواطن اللذة في جسد النّظام  قدرَ الإمكان، عن طريقِ التنويعِ في الخياراتِ المتاحة؛ خياراتِ الإبادةِ والتهجير والقتل، أو الخلق كما يعتقدُ هو ويزعم.


الحكامُ لا يشبهوننا، الحكامُ أحرارٌ لدرجةٍ تتخطى مخيلتنا، يصنعونَ الوهمَ، ويمارسون الخيال، ونكتفي نحن بلعب الأدوار.


الحكامُ مُهرجون بالفطرة، يُقدمون الوهمَ بشراسة، والشعبُ يحملقُ مبهوجًا بالسحر، وحده الحاكمُ من يعرفُ الحقيقة تحتَ هذا الوهم والتشويشِ. وإذا فقدَ ثناءَ شعبِه على مواهبِه، خرجَ لِيُمارسَ أقصى درجات حريّتِه في فرضِ مخيلتِه، وكلّ فترة زمنيّة لها خيالها الخاص الذي ينبثق من صورةِ الحكامِ أنفسِهم.


لابدّ لهم من الاعترافِ بأنّ وجودَهم يعتمدُ على إبقاءِ التّاريخِ منتشياً، فهو رجل ملولٌ جداً لا تكفيه مشاهداتٌ ومخيلاتٌ قليلة، يتّبع مبدأ إجبار التكرار الذي تحدثَ عنه (فرويد)؛ يسيرُ في دوائر مغلقة تبدأ وتنتهي من ذاتِ النقطةِ، ويكرر المراحل ذاتها، كلّ حاكمٍ يكرر ما قام به الحاكم الذي سبقه. ويدهشُنا كيف يحصلُ التّاريخ على لذتِه من تكرار الميكانيزمات ذاتها، يريدُ أن يذهبَ بلذته بعيداً حيث يفرضُ نفسَه بقسوة، ولا يسعنا إلاّ قبولَه. التّاريخُ مهووسُ لذةٍ، والسّلطةُ مسخُ هذا المجنون المهووس، حيث تُداعبُ مواطن لذتِه وتتأوهُ في لحظاتِ القتلِ، فكلّ مرحلة قصيدة متخيّلة قاسية ودموية، وموتنا نحن -أيّ الشعب- يُصبح ضرورةً تاريخيّةً طبيعيّةً، ناتجةً عن قسوةِ هذا الولوج، وينتقلُ التاجُ والعرشُ من حاكمٍ لآخر، ينتزعه الآخرُ ويقتلُ وينتظرُ من يأتي ليقتلَه، و ينتزع تاجَه. فهل التّاريخُ أشدّ دراميّةً من الجرائمِ نفسِها؟!


وهل هذا يروق للتّاريخِ؟!


الأمرُ أشبهُ بصراعِ ثلاثةِ أطرافٍ من المعادلةِ على اللذةِ؛ لذةِ القتلِ والتصفيقِ.


علّمني صديقٌ قديمٌ عندما كنت أجلسُ في الصفوفِ الأولى في السيرك، كيفَ أحررُ إصبعي الوسطى عن بقيّةِ أصابعي وأقذفها في أقنعتهم. علَّ هذه الأقنعة والوهم يزول، ومازلتُ أكررُ الشيء ذاتهُ وأنتظرُ سقوطهم.


 فالرياحُ لطيفةٌ على الجسدِ العاري.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +