ماذا يفعل الجهاديون حين لا يقاتلون؟

ماذا يفعل الجهاديون حين لا يقاتلون؟

اورسولا ليندسي


Ursula Lindsey


المصدر: The chronicle of higher education


ترجمة: معاوية عبد المجيد



أعلن توماس هيجهامر (Thomas Hegghammer) عن صدور كتابه الجديد عن منشورات جامعة كامبردج، والذي قام على إشرافه بمشاركة عدد من علماء الموسيقى والأدب والأنثروبولوجيا والعلوم السياسية تحت عنوان مبدئي: «الثقافة الجهادية: ماذا يفعل الجهاديون حين لا يقاتلون» (Jihadi culture: what militant islamists do when they're not fighting)


يسعى الكتاب إلى الإحاطة بالثقافة الجهادية التي تتكون من نشاطات يومية قد تبدو عديمة الجدوى للوهلة الأولى، لكنها تهدف في مجملها إلى تهيئة الظروف المناسبة للجهاد وقد تكون مفيدة في مكافحة الإرهاب على الصعيد السياسي والعسكري أيضاً.


وتتجلى هذه الثقافة بعدة أشكال، منها «إظهار الحزن الأليم على الملأ». يلاحظ الكاتب أن هذه العملية شائعة جداً في صفوف الجهاديين، حتى أن أبو مصعب الزرقاوي كان مشهوراً بـ«الجزّار» ولكنه اشتُهر أيضاً بلقب آخر مغاير تماماً: «البكّاء» أي الذي يُكثر من البكاء.


ويشرح الباحث أن للبكاء دلالة عظمى على الإيمان، خصوصاً أثناء تلاوة القرآن والخطب التي تتحدث عن معاناة المسلمين في كافة أرجاء العالم، وعن الشهادة والرغبة في بلوغها. وفي المقابل، لا يحبّذ الإسلاميون البكاء على استشهاد رفيق السلاح، بل عليهم أن يغبطوه في هذه الحالة ويتمنوا لأنفسهم النهاية نفسها.


ويراقب إيان إدغار (Iain Edgad) دور الأحلام في العقيدة الجهادية، وهو أستاذ الأنثروبولوجيا في جامعة دورهام. إذ يقول إن الكثير من المسلمين يتناولون الأحلام بمنتهى الجدية، نظراً لكونها رسائل إلهية لا ريب فيها. واكتشف أن زعيم طالبان الراحل الملا عمر، كان يعتاد التحرك والتخطيط بناء على الإنذارات التي يتلقاها في أحلامه. ويذكر أن أسامة بن لادن أيضاً كان يباشر أيامه في استجواب أتباعه إن كانوا قد رأوا حلما دلالياً في الليلة السابقة. ويضيف أن زعماء الجماعات الجهادية يستخدمون الأحلام كي يشرعنوا قراراتهم (القيام بغزوة مثلاً) بناء على الوحي الإلهي وتأكيداً على اقتيادهم بسنّة الرسول الكريم وصحبه.


«من المذهل أن الحلم لا يزال يلعب دوراً أساسياً في السياسة المعاصرة وفي أكبر النزاعات التي نشهدها حالياً» يقول إدغار.


ومن جهة أخرى، يتناول الكتاب القصص التي تحيكها الحركات الإسلامية حول نفسها. إذ يهتم برنارد هايكل (Bernard Haykel)، أستاذ الدراسات حول الشرق الأوسط في جامعة برنستون، بأهمية الشعر عند المتطرفين الإسلاميين الذين يحرّمون كافة أشكال الفن والأدب ليبقى الشعر منفذاً وحيداً تعبّر فيه الجماعة عن نفسها كما يرى.


تتضمن الأشعار التي يكتبها الجهاديون مواضيع معينة، كالشكوى من المصاعب التي يكابدونها وشكرهم لله الذي اختارهم دون غيرهم لتحمّل هذه المشقات. ويستخدمون البلاغة اللغوية لمجادلة أعدائهم وذكر محاسن قتلاهم، واتخاذ مواقف تاريخية في شتّى القضايا الدينية والسياسية. ويمجّدون زعماءهم ويخلدون كرّهم وفرّهم في تلك الملاحم الشعرية. ويضيف هايكل أن الغرب يقف مستغرباً إزاء هذا النوع من الشعر. ويردف أنه غالباً ما يُكتب على بحور عربية أصيلة وأساليب إسلامية قديمة تبرر أحقيتهم في الخلافة وتولّي شؤون الأمة، رغم عزمهم على إيجاد واقع راديكالي جديد بالمطلق.


ويتساءل هيجهامر: «لماذا «يهدر» الجهاديون وقتاً كبيراً في نشاطات ثانوية، وهم ملاحقون من كل أجهزة الاستخبارات في العالم ويقضون حياتهم في المخابئ أو في ساحات القتال؟» قد تكون لهذه التطبيقات الثقافية قيمة استراتيجية حيوية، إذ تتلاشى الفوارق بين النشاط الثقافي والنشاط العسكري. ولكن «هل من الضروري مثلاً هدر الوقت والطاقة في وضع موسيقى تصويرية ترافق الفيديوهات الترويجية التي تدعو إلى تجنيد الشبان؟»


وهنا يردّ جوناثان بيسلاك (Jonathan Pieslak)، أستاذ النظرية الموسيقية في سيتي كوليج نيويورك، أن المتطرفين الإسلاميين يحرّمون الموسيقى، لكنهم يعمدون إلى تطبيق نمط موسيقي وحيد، يُعرف بـ«النشيد»، يفلت من التحريم لأنه مجرد طريقة غنائية لا ترافقها الآلات الموسيقية، واشتُهر به الإسلاميون في حقبة السبعينيات. ويَعتبر بيسلاك النشيد بمثابة الموسيقى التصويرية التي تعتمد عليها أغلب فيديوهات الجهاديين.


يتطرق بيسلاك إلى جنوح المجموعات الجهادية في البداية لاستلهام الألحان من الأغاني الشعبية الرائجة في تأليف كلمات النشيد، ثم يقومون بإنتاج ألحانهم الخاصة (والمتشابهة في أكثرها) بعد أن يتسع نفوذهم. ويلاحظ أيضاً كيف تحسنت جودة الصوت ودقة التوزيع مع مرور الوقت، ويفترض أنه من الممكن أن نقيّم قوة أحد التنظيمات استناداً على قوته في إنتاج ثقافته الموسيقية. ويضيف أن الموضوع الحاضر في مجمل تلك الأغاني يشدد على ضرورة النهوض بالأمة للدفاع عن مشروعها العظيم وقضيتها النبيلة التي «تتكالب عليها الأمم الأخرى».


وهذا يُبرز أثر الموسيقى على عواطف الإنسان. في كراس يحمل عنوان «44 طريقة لدعم الجهاد» يؤكد أنور العولقي، الجهادي البارز الذي قُتل في اليمن عام 2011، أنّ النشيد المغنّى له قدرة على الانتشار وجذب الجماهير أكثر من أي خطبة أو محاضرة أو كتاب ما.


يتوهم الجهاديون أنهم قادرون على إحياء ماضٍ مجيد، وهم بأكثريتهم العظمى خارجون عن القانون وينحدرون من بلاد بعيدة، وغالباً ما يقطعون صلاتهم بأهلهم وأصدقائهم. «إنهم في حاجة إلى ثقافة تبارك خياراتهم وتدعم قرارتهم» يقول هايكل.


كما تواجه دراسة الثقافة الجهادية تحديات كبيرة، ينسبها هيجهامر إلى عوامل مختلفة منها قلة الكفاءات اللغوية والمعارف الثقافية، وحجب منتديات الجهاديين عن الإنترنت بدافع مكافحة الإرهاب. كما ينوه أن تلك الفيديوهات تهدف إلى جذب الموالين إليهم، فهي نسخة مزوقة عن حياة الخنادق ولا يمكن اعتبارها مرجعاً دقيقاً بالمطلق.


«لا يتشجع الشبان دوما بسبب العقيدة، بل بما يرونه ممتعا في التفاصيل الصغيرة من حياة المجاهد» يؤكد هيجهامر «الأمر الذي يوازيه تطوّع شبّاننا في الجيش. قد لا يفهم الجندي شيئاً في السياسة لكنه ينجرّ وراء إعجابه بالحياة العسكرية وإطلاق الأوامر وتنفيذها والمغامرات والصداقات، إضافة إلى المغريات المادية والمعنوية الأخرى».


ويذكر هيجهامر أن الغاية من كتابه هو تفنيد آراء المراقبين السطحيين، سواء كانوا على يمين المشهد السياسي أم على يساره، باعتبارهم الإرهابيين مجرد وحوش مجانين أو ضحية للتهميش والفقر والعنصرية. ويختم بقوله: «أنا أقوم بهذا البحث لأنني مضطر لمعرفة دوافع هؤلاء إلى التصرف بهذه الطريقة. لا أحد يقرر فجأة أن يفجر نفسه، بل إنه يخضع لتأهيل طويل ومتدرج تتقاطع فيه العقيدة العامة مع مسارات المجاهد الفردية. علينا أن نعتبرهم بشراً في المقام الأول، وأنّ لهم ثقافة لابدّ من دراستها لتجنّب آثارها الهمجية».

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +