اللاجئ الذي ولغَ في وعاء كلب

اللاجئ الذي ولغَ في وعاء كلب

«إن ربكم ليس ربنّا، إن ربكم يحب شعبكم ويكره شعبي، وهو يلف بذراعيه الحانيتين ذا الوجه الشاحب ويقوده من يده كما يقود الأب طفله الصغير، لكنه تخلّى عن أبنائه الحمر، إن كانوا حقاً بنيه، بل إن الروح العظيم إلهنا قد خذلنا أيضاً».


من خطبة سياتل زعيم القبائل الهندية، قبل توقيعه اتفاقية تسليم أراضي قبيلته للمستوطنين البيض في العام 1845.


يقولُ اللاجئُ المصاب بضربة شمس في رجليه: من حقي أن أمشي حافياً في بلادٍ سرقت حذائي، وأن أخلطَ بين شارات المرور التي تسلّط أحمرها في عيني، وبقليلٍ من التثاؤب سيطلقُ شرطيٌ صافرته في ظهري، وإن استيقظتُ ولم يعجبني شايها، سأحلّيه بما تقطّع من أصابعي.


أن الدوني الذي ولغتُ وعاءَ كلبهم، ولم أصدق أنني سأطيق صبراً وكبة الألوان هذه تنمو في رأسي وتحشوه بالغبار، فأنا مغرمٌ بلوني الداكن هذا، صعلوكٌ سدد أقساطه الشهرية لترمّم البلدية جسراً في بلاده، لكنّها فخّخت قلبه.


أنا بغلُ الجهات منذ شنقتني الصحراء، قبيحٌ بما يكفي لتسحب الصحن من أمامي، ففمي مليء بالجماجم والحوريات، ارجموني الآن فأنا فضيحة كلبكم.


أنا ابن البغاء المرخص من حكومة بلادي، لي اسمٌ في أقبية الشؤون المدنية في وزارة الداخلية،   


الأبلهُ الذي أتقنَ النطق «هالوو» ليطربَ أولئك الحزانى لأجلي.


أخرجُ في الصباح متعباً لأنني نمت كثيراً، وأتلصصُ على العجائز بضميرٍ ساكن، أنكأ الكون بحثاً عن حجة للبكاء، وأستندُ إلى طوابير الحافلات والقطارات، ليس عليكم أن تشذّبوا جسدي، يكفي أن تدعكوه بالتراب لتذهب نجاستي عنكم، أنا البريّ المتوحش الرعوي الفوضوي.


هذه البلاد واسعة خضراء وأنا دميم يابس، سأذهب غداً لجمع الحطب وأعودُ إلى الكراجات، فقد اشتقت إلى رائحة الشواء الرخيص، ونتانة البول في الزوايا.


اطمئنوا لن أصحب كلبكم معي، لأنني سأصعد الحافلة دون أن أقطع تذكرة، أنا الزرافة التي تنظف أذنها بلسانها لتنسى شتيمةً في بلادها: يا لك من كلب.


استطيع أن أطيعكَ ككلب فاربطني بدلاً عنه، أنا الساكن في الطابق العاشر تحت الأرض، أغبطُ شعبكم، أتركُ نصف الكرة الجنوبي، أتركُ ذلك العالم الرحب الواسع وآتي لأحشر جسدي بينكم، قطعتُ كل تلك المسافة الحدباء لأجلس إلى صحن كلب، والتقط صوراً تذكارية وأرسلها إلي.


هذا أسوء ما يحصل الآن.


هاأنا أستسلم ببلاهة حين يوقفني هذا العشب الأخضر لينزع مائي، وأنا أستمر في لعنة عظامي، عظامي باردة هنا، وأنا ممتن للشجرة التي تحمل فرواً كثيفاً على ساقها، لم تتعرَ بعد وأنا لست جليلاً كفاية لأكظم شهوتي وتَعفَّ نفسي.


لا أريد من كلبكم عظمة، ولا أشتهي من صحنكم سمكة، ولن أتبادلَ الشتائم مع حارس المبنى ليلاً، فانا أمقتُ لغته ورائحة تبغه. ولن أبتلع ريقي قبل أن أدخل مكتب البريد لأستلم ما تأخر من رسائلي، فكيف سيقرأ كلبهم كتابي.


سأنسى، أجل سأنسى أن أعود لمصافحة أحدهم كلما دخلت وخرجت، وأنسى أن أنزعَ عن رقبتي طوقها، فأنا خطأٌ فادح في هذه البلاد، وها أنا أعتذر، أعتذر لكلبكم الذي ولغتُ صحنه.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +